صباح عاصم

الأستاذة صباح عاصم تكتب..عيشها ببساطة

 

العيش ببطء slow living… أسلوب حياة بدأ ينتشر بين الناس بعد التطور التكنولوجي الهائل والارتباط الوثيق بالشاشات والأجهزة ليس المقصود شاشات التلفاز قديما ولكن شاشات الموبايل والأجهزة اللوحية وبرامج السوشيال ميديا المنتشرة…والتحول الرقمي التكنولوجي الهائل في جميع الخدمات من تسوق وتعليم وتسلية خلال السنوات الماضية… مما أدي إلي التباعد الأجتماعي وفتور العلاقات الأنسانية… أسلوب يدعوك إلي التقاط الأنفاس في رحلة الحياة والصراع المضني في البيت والعمل والمجتمع… العيش ببطء أسلوب حياة يهدف إلي مراعاة حياتك في كل الجوانب… بدلا من تحولك إلي آلة… تحسب كل شىء بالمال وتدقق في كل شيء وتعافر في كل شيء وتلهث خلف كل شيء… ليزداد دخلك ومالك… دون أدنى مراعاة لصحتك لحياتك النفسية والأجتماعية والأسرية… العيش ببطء ليست دعوة إلي التكاسل أو عدم السعي في طريق الحياة… العيش ببطء دعوة لأن تعمل وتجد وتجتهد بالتوازي مع الأستمتاع بكل ما بين يديك من أسرة وصحة وأصدقاء ومشاركة الأنشطة المختلفة للمجتمع الأنساني من حولك…التمتع بصحتك ووقتك قبل فوات الأوان… وماذا سيفيدك حين تمتلك المال وقد أفنيت صحتك وشبابك لتوفير بضع ملايين؟؟؟ لتجدك أسير لمرض وفقد أصدقاء تساقطوا منك خلال الطريق المضني لأقناص كل فرصة للفوز في كل جولة للوصول لقمة السلم الوظيفي والمالي… تتساقط حولك صحتك أيامك ذكريات جميلة عجزت عن صنعها في متاهات الحياة المادية… عمر يجري منك بلا رجعة… العيش ببطء يدعوك للعمل والجد والنجاح وأمتلاك الأموال بجانب رعايتك لصحتك وأسرتك وأصدقائك وعلاقاتك الأجتماعية… والتمتع بكل ما في مباهج الحياة… يدعوك لألتقاط أنفاسك المتلاحقة… محارب فكرة Time is money… فالوقت من ذهب وليس المال… ما يمر لن يعود… وهل يوجد أغلي من عمر ولي في صراعات مادية منهكة للجسد والصحة…وكلمة لعزيزتي المرأة أهمس لكل سيدة عاملة بكلماتي…أشفق عليك وأري يومك يبدأ مع الفجر لتبدأ رحلة يوم طويل ما بين مواصلات وعمل به الكثير من الأرهاق الجسدي والنفسي بجانب بعض المنغصات من شخصيات ونماذج منوعة من بني البشر ما بين مدير مستبد ظالم أو زميل وصولي أومنافق والوقح والنمام وغيرهم كثر… ويمتد اليوم للسادسة والسابعة مساء… لتعودي إلي بيتك منهكة القوي غير قادرة علي رعاية أسرة وزوج… وتبدأ مرحلة الأستبدال… أستبدال دورك الأساسي في المنزل بمربية للأطفال وسائق ومدرس خاص ووجبات سريعة وأحيانا أخري بصديقة زوج أكثر فراغا من الزوجة وقادرة علي الأحتواءالنفسي ومشاركة الزوج المشاعر والأحاسيس… لتتبنى فكرا غربيا بمصطلحات غربية ما بين strong independent woman 

وsingle mother…عزيزتي المرأة أقدر لك كفاحك داخل المنزل وخارجه وكل ما تقومين به وأعلم جيدا كم الصعوبات التي تواجهك في ظروف اقتصادية فرضت عليك الكثير من الأعباء والمسئوليات دور هام لا ينكره إلا كل جاحد ناكر الفضل والجميل… ولكن عليك ألا تنسي دورك الأساسي والأكبر وهو أسرتك وزوجك… إذا وضعتك ظروف الحياة الصعبة في هذه المواقف وهذا الاختبار عليك التوقف فورا وتغيير نمط الحياة إلى العيش ببطء… المال سيعوض أما الطموح بالمنصب والسلم الوظيفي الذي يقابله إهمال جيل أطفال أو شباب في ظل عالم مفتوح وعولمة تطل علينا كل يوم بوجه قبيح مختلف… فهو طموح ونجاح على أنقاض جيل منهار… لست ملزمة بنفقات الأسرة… الدين الإسلامي الحنيف جعلك ملكة متوجة إما في كنف الأب أو الأخ أو العم ثم يكفلك الزوج… مكرمة مصونة… وأرجو ألا اتهم بأنني أدعو إلى أفكار رجعية ومناهضة لحرية المرأة والحداثة وغيرها من مسميات كثر… فأنا امرأة عاملة وقيادية ومسئولة وقبل كل شيء أم مسئولة عن أسرة… ولكنها أولويات يجب أن تتبع في حياتك… ولتحقيق هذا التوازن الصعب وتطبيق نمط العيش ببطء عليكم أعزائي بأتباع أسلوب بسيط في الحياة وهو التخلي والاستبدال… أسلوب يوفر عليكم حروب وجهاد من أجل مال يفتح له ألف ألف باب لأنفاقه… ومثال بسيط لأسلوب التخلي والاستبدال… إذا وجدت مصاريف المدرسة الخاصة عبء أو مصاريف الملابس أو الطعام عبئا… عليك أن تفكر في أسلوب التخلي… التخلي عن المدرسة الخاصة باهظة التكاليف واستبدالها بمدرسة أقل… التخلي عن المول الشرير بأسعاره الباهظة واستبداله بالمول الطيب بوسط البلد وبأسعار في متناول الجميع… التخلي عن منصب قد يدفعك إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية واستبداله بعمل قريب من منزلك ويكفل لكي رعاية أسرتك… التخلي عزيزتي المرأة عن عمل بأجر كبير يحرمك من متابعة ورعاية أسرتك بعمل بأجر أقل ومواعيد مناسبة لك ولأسرتك… أو العمل من المنزل أو العمل نصف الوقت… المنتشر حاليا وبكثرة… وفي هذا السياق أذكر تجربة الدولة بالصيف الماضي- أغسطس2023- بالسماح للجهات الحكومية طبقا لطبيعة العمل بالعمل من المنزل لتخفيف الأحمال الكهربائية… وليتها تستمر وتسمح للسيدات بالعمل من المنزل مع تخفيض في الأجر…لخلق التوازن المطلوب بين مساعدتها في رعاية الأسرة والأبناء مع وجود دخل ثابت يساعد في تكاليف المعيشة…ومع التخلي عن مقارنة نفسك وأولادك وأسرتك بأولاد أصدقائك وزملائك وأقاربك واستبدالها بنظرتك لنفسك ولظروفك فقط… ويمكنك تطبيق نفس المبدأ التخلي والاستبدال عند تحسن الأحوال ويكبر الصغير… بالتخلي عن تعليم بالمجان والاستبدال بتعليم خاص… التخلي عن وظيفة أو عمل لتحقيق طموح منصب أعلى أو مكان أفضل… أسلوب يريح النفس والجسد والبال ويوفر الكثير من المال… إذا شمله الرضا والقناعة والاستمتاع بما نملك… وفي الحديث الشريف ما قل وكفي خير مما كثر وإلهي… عظه وحكمة نبوية لا تنطق عن هوي… إنها التربية النبوية الشريفة للنفس من طمع الدنيا وأغراءتها… فهي في النهاية دنيا لن تدوم وليست جنة…فأستمتع بحياتك وعيشها ببطء… عيشها ببساطة.

الأستاذة/ صباح عاصم

رئيس مجلس إدارة جمعية بداية للأعمال الخيرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى