آراء حرة

أستاذة نزهة الإدريسي تكتب.. هموم صاحبة الجلالة


 

 

 في زخم الأحداث التي نراها اليوم صارت الحقيقة هي الحلقة المفقودة ، قد يجدها الانسان العادي لو تدبر سبيلها بمجهوده الخاص و يفقدها المتلقي الذي يقبع أمام الشاشات ، لأن الصحفي لم يعد يتمتع بالاستقلالية و الحرية و يمارس عمله بحيادية و ينقل الخبر بأمانة ، بل صار مأجورا رهين مصلحة من يدفع له تماما كالمرتزق الذي يحمل السلاح ويقاتل من أجل المال مغامرا بحياته و سلامته في معركة خالية من كل مبادئ النبل و الفروسية . بل ربما كان ما يقترفه الصحفي أفظع مما يقترفه المرتزق بسلاحه الناري ، فهذا يمكن أن يقتل أفرادا ، أما الآخر فيساهم في قتل شعوب بأكملها عندما يزيف الحقيقة أو يبتر الخبر و يعيد صياغته حتى يستقيم مع الغرض الذي تبتغيه الجهة التي أرسلته . ونحن نلاحظ هذا على جميع الساحات المشتعلة أو التي تعرف توترات سياسية ، إذ تنهال علينا الأخبار بشتى الألوان و الاشكال ، و السيناريوهات و التخريجات حسب جهات البث و مدى قدرتها و تفننها في العبث بالخبر و تزييفه حتى تقنع به المتلقي و تصل للهدف المنشود الذي يكون غالبا ضد سلامة و استقرار الشعوب . و ليس أدل على ذلك من المصير الذي آلت إله البلدان و الشعوب التي عرفت هزات سياسية و ثورات أو غزوات في السنوات الاخيرة من حرب أفغانستان و غزو العراق ، إلى حرب سوريا و ليبيا و اليمن و غيرها من الدول التي اكتوت بنار الحرب … كلها انقلبت إلى ما يشبه حلبات مصارعة أو ملاعب لكرة القدم .. فرقاء في مبارزات حامية و متفرجين كل يشجع فريقه المفضل بكل حماس و إن كانت أدوات اللعب أسلحة فتاكة و المتبارين قتلى أو مقتولين وهذا الصحفي أو ذاك يتفنن في نقل الخبر و الأحداث بما يشبع رغبة فريقه أو يزيده تألقا و إقناعا للجمهور ، أما المهنية و المصداقية فلتذهب مع الريح ….

 و الأخطر هي تلك المصطلحات التي تروجها الصحافة مع الأحداث و الأوضاع في الساحات المشتعلة خاصة العربية ، و التي تحمل ايحاءات كارثية و مدمرة منها عبارة ” جيش النظام ” التي رافقت الحرب على سوريا لوضع الجيش في نفس مرمى النظام المغضوب عليه خارجيا و إثارة الشعب عليه لخلق توتر بين الشعب و جيشه حتى يسهل إضعافه و بالتالي إسقاط الدولة و عبارة ” المعارضة المسلحة ” رغم أن المعارضة الوطنية لا تحمل سلاحا لكن هنا لإضفاء الشرعية على المرتزقة المجندون من خارج البلاد للإطاحة بالبلد و خلق صراعات دموية داخل الوطن . ومازالت نفس العبارتين بمخزونهما المدمر تروج و تطغى على وسائل الاعلام العربية بكل دولنا التي ترزح تحت وطأة الصراعات الداخلية .

 أما الحرب الدائرة اليوم بين روسيا و أوكرانيا فهي ساحة أخرى تكشف و تفضح إعلامنا و صحفنا العربية و مدى هجرهم للمهنية . فلا تتحفظ بعض وسائل الاعلام على كشف تحيزها لاحد اطراف الحرب أو ربما خطها الاعلامي لم يجد بدا من المضي قدما للأمام في الطريق الذي خط له منذ تأسيسه و لا يتورع في العبث بالخبر و الصورة حتى تستقيم مع الخط السياسي و نظام الدولة التي يتشبث بذيلها …

 الكل الآن يلعب على المكشوف ، أو ربما الأحداث أبت إلا أن تكشف من يزيف الحقائق من صحفيين و قنوات و مؤسسات اعلامية .و ليس هناك مهرب من تنظيف بلاط صاحبة الجلالة من كل المتسلقين و المنافقين و الكذابين حتى تستعيد صفوة خدامها الاوفياء للمصداقية و المهنية، ورسالتها الانسانية و الاخلاقية في تنوير الشعوب و المساهمة في صنع رأي عام يخرج شعوبنا من حيرتها و يقودها لبر الامان .

 

 بقلم نزهة الادريسي 

 argana_63@live.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى