آراء حرة

د.م. هاني عيسى الفقي يكتب..محور البناء والتعمير

ورقة عمل لرؤية خاصة للتنمية الإقتصادية

 

 

من خلال عملي وتخصصي في مجال البناء والتخطيط، والبحث العلمي، ومحاولة من كل منا لوضع حلول وبدائل للمساعدة على النهضة الاقتصادية الواجبة نحو تطوير الوطن ومواكبة للخطوات الدؤوبة التي تتخذها القيادة السياسية وصولاً للجمهورية الجديدة، وكذلك من خلال الرؤيا الواضحة للمشاكل الاقتصادية التي تمر بها كافة بلاد العالم ومن ضمنها بالتأكيد مصر، فإننا نرى أن أحد وأهم المحاور الهامة التي تؤثر في الاقتصاد بشكل عام هو محور ومجال البناء والتعمير والتخطيط الحضري والسكني وضرورة مناقشة مشاكله ووضع حلول وبدائل تساعد على النهوض به، حيث يعتبر مجال البناء والتعمير من أهم ركائز الاستثمار المفيد الدائم والمستدام وذو العائد المضمون وبالتالي الاقتصاد الناجح.

هذا ولابد من التطرق إلى الحديث عن البحث العلمي في مجال البناء والتعمير ومواكبة التطور الهائل في مجالات الذكاء الاصطناعي والاستدامة والعمارة الخضراء والتي ستنعكس بالتأكيد على اقتصاد البناء من حيث توفير الطاقة التشغيلية للبناء وبالتالي الوصول إلى بناء اقتصادي مواكب للتطور العصري مفيد للإنسان وموفر للتكاليف وهو ما سيؤدي بالتبعية كما ذكرنا سالفاً إلى توفير في مواد البناء والتشغيل وكل ما يمت لمجال البناء والتعمير بصلة.

من المعروف أن مجال البناء بشكل عام يندرج من تحته مالا يقل عن ٤٠ إلى ٥٠ مهنة تابعة بدءاً من التصميمات الهندسية من أعمال معمارية وإنشائية وإلكتروميكانيكية ومساحة وميكانيكا التربة مروراً بمراحل البناء نفسها بدءاً من أعمال الحفر والأساسات والنجارة والحدادة والتشطيبات بكافة أنواعها وصولاً إلى تسويق البناء، ناهيك عن الأعمال التخصصية الأخرى والتي تقوم بها الدولة من أعمال تخطيط وتنفيذ طرق ومباني خدمية وشبكات بنية تحتية وكباري وأنفاق وخلافه، لذا فالإهتمام بهذا المحور وتطويره والفكر خارج الصندوق يؤدي بالفعل إلى نمو إقتصادي هائل.

وعند النظر إلى ما يتم حالياً في مجال البناء والتعمير وحتى التخطيط نجد أنه تم وبعد طول المدة التي تم إتخاذها لوقف عمليات البناء حالياً وما أدى به الحال إلى ركود في مجال البناء الخاص وبالتبعية ارتفاع سعر المعروض من المنتج البنائي سواءاً كان سكنياً أو تجارياً، وبالرغم من الجهد المبذول للوصول إلى قوانين بناء معتدلة تفي بكافة الأغراض منها ولا يتحول معها البناء إلى فوضى كما كان معمول به سابقاً وبالرغم كذلك من مجهود الدولة في تعظيم الغرض من المصالحات مع مالكي الوحدات بالدولة للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف من الجهتين – الحكومة والمواطن – إلا أن كل هذه الجهود لا تفي ولا تحقق المأمول منها ولا تؤدي إلى إقتصاد بنائي قوي بل ربما بالعكس قد تؤدي إلى هروب مستثمرين مصريين وغير مصريين جادين في الإستثمار بالوطن.

لذا، فمن الضروري الإسراع في صدور اللائحة التنفيذية للبناء بالدولة وتسهيل الإجراءات الخاصة بالتراخيص البنائية، فنحن نجد أن اللوائح الحالية تنص على أن البناء حتى ٤ أدوار يكون مسئولية الحي فإن زاد أصبح من مسئولية الهيئة الهندسية ثم يتم عمل تصورات ومقترحات للواجهات وعرضها على التنسيق الحضري. كل هذه الإجراءات تؤدي طبعاً إلى ضياع للوقت والجهد والمال. كذلك لابد وأن يتم تحصيل رسوم بنسب محددة لكل بناء وكل حسب وظيفته. فمن وجهة نظري أرى أنه لا يهم أن يتم تحصيل رسوم مبالغ فيها للتراخيص بل بالعكس يتم تخفيض الرسوم قدر الإمكان، فالمهم البناء أولاً والامتداد العمراني الافقي والرأسي، هذا هو بيت القصيد. فالبناء يوفر فرص عمل ووظائف ويؤدي إلى خلق مجتمعات جديدة يتم معها نمو اقتصادي هائل بكل أنحاء الدولة وخاصة بالمناطق النائية. تلك المناطق التي ربما تستغيث من الإهمال التام لها نظراً لبعدها ولعدم توافر الامكانيات والمرافق التحتية اللازمة لنموها، وعلي الدولة القيام بمساعدة المستثمرين الجادين في إنشاء وتجهيز هذه المناطق للسكن والعمل وبالطبع تحت رقابة صارمة فيما يتعلق بالأسعار. وبذلك تعم الفائدة على ثلاثي أضلاع المثلث – المواطن والدولة والمستثمر – ولا تتكبد الدولة تكاليف أي مشروعات خاصة بهذه المجتمعات الجديدة وعليها فقط التفرغ للمشروعات الاستراتيجية الهامة، حتى مصانع إنتاج مواد البناء فيجب ألا تتدخل فيها الدولة إلا من خلال الرقابة الصارمة فقط. وعندما تزداد مصادر الإنتاج يقل معها السعر. هي نظرية منطقية حادثة بالفعل وليست مجرد مفردات..

وبالرجوع إلى ما ذكرته آنفاً بخصوص مواكبة البحث العلمي للتطور المطلوب في مجال البناء والتعمير، نجد أنه لزاماً علينا جميعاً مواكبة العصر والدول المتطورة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاستدامة والبناء الأخضر – وهو ما يحدث بالفعل – من خلال التواجد الحادث من عناصر الخبرة والعناصر الشابة الواعدة بالدولة. فمواكبة التطور العلمي في مجال البناء يؤدي إلى حلول جديدة مبتكرة قليلة التكاليف سريعة التنفيذ إقتصادية الهدف، المطلوب فقط هو دعم رجال الاعمال لهذه الأبحاث والاستفادة من نتائجها كما يحدث في معظم دول العالم المتقدم. فرجل الاعمال الحقيقي تقوم أعماله على الأبحاث العلمية التي يتبناها ويقوم ببذل الغالي والرخيص من أجل نتائجها التي ستعود بالتأكيد بالنفع عليه وعلى شركته أولاً وعلى الدولة بشكل عام.

كل هذا يتم تحت رقابة الدولة ورعايتها لهذه المنظومة التي ستعود بالفائدة على الجميع. 

وفي النهاية يجب أن نوضح أن محور الإسكان والتعمير هو من أهم المحاور العملية لتطوير فكرة اقتصاد الدولة وخاصة الشق المتعلق بالقطاع الخاص. فقاطرة الدولة لايمكن أن تسير بمجهود الدولة فقط وعلى رجال الاعمال المخلصين التكاتف لخلق فرص استثمار جاد يعود بالنفع عليهم وعلى الدولة.

إن ما تقوم به الدولة من مجهود حادث للأسف لا يظهر بالشكل الكامل وهذا ناتج من النمو السكاني الفظيع المتسارع الناتج عن ربما جهل أو عمد من المواطن. فالمواطن لا يحس بهذا المجهود، ناهيك عن الإرث الجسيم الذي وقع على كاهل صاحب القرار بالدولة. وأعود وأكرر بأن كلمة السر تكمن في شقين – رجال الأعمال والشباب – فكلاهما من سيقوم بتلك النهضة المطلوبة تحت رعاية الدولة وضرورة التخطيط السليم لهذا التطور المطلوب. فالتخطيط لا يجب أن يكون خاص بفكر محدود من مجموعة محدودة ولكن يجب أن يكون من خلال مناقشات وحوارات مجتمعية تصل بنا إلى بر الأمان بإذن الله. مطلوب فقط من الجميع الإخلاص والتعلم، فبالتأكيد ليس هناك من يعمل لصالح الوطن والمواطن ويريد الإضرار بالصالح العام.

د.م. هاني عيسى الفقي

أستاذ وإستشاري التخطيط العمراني والحضري

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى