آراء حرة

دكتور مهندس هاني عيسى الفقي يكتب..المدن الذكية ضرورة حتمية

 

تواتر في الآونة الأخيرة عبارة المدينة الذكية، وهي المدينة التي يقصد بها أنها المدينة التي تتوافر فيها خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات المتطورة. وتعتمد على فكرة ربط الأماكن العامة في المدينة كالمطارات والأسواق والحدائق والمنتزهات والمستشفيات وأماكن التجمع العامة في المدينة عن طريق إستعمال تقنيات إتصال متطورة بحيث يكون في إستطاعة سكان المدينة الذكية إستعمال أجهزتهم المحمولة للوصول إلى الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) والاتصال بكافة المؤسسات والهيئات في مدينتهم لإنجاز أعمالهم إلكترونياً۔ حيث تهدف المدن الذكية إلى تحسين نوعية حياة السكان من خلال تزويدهم بخدمات سلسة تعتمد على أحدث التقنيات. لكن قبل أن نناقش المدينة الذكية، علينا أن نتعرف على العمارة الذكية.

العمارة الذكية ليست معقدة. في بعض الأحيان، يكون المبنى البسيط أكثر ذكاءً من آلة المعيشة والعمل التي تسيطر عليها التكنولوجيا والتي فقد المستخدم السيطرة عليها. تقدم العمارة الذكية حلاً متكاملاً لمجموعة متنوعة من تحديات التصميم و المشكلة البيئية، والإستخدام الأمثل للمساحة والموارد الأخرى، والإستخدام الوظيفي للمواد والتكنولوجيا، والجماليات.

العمارة الذكية في بعض الأحيان واضحة بشكل مدهش. حيث ينتابك الشعور “لو كنت أفكر في ذلك بنفسي”. فالحلول البسيطة تعتبر كل شيء ماعدا الغبي منها أو الغير منطقي بالطبع. إنها جميلة وأنيقة۔ هي عمارة متفائلة ومبهجة ولا يجب أن تكون باهظة الثمن. هناك دائماً شيء ممتع حولها وغالباً ما يكون بارعاً. العمارة الذكية هي هندسة معمارية ذات إبتسامة صادقة.

تتعاون العمارة الذكية بالإستجابة لما يحيط بها. لا ينطبق هذا فقط على البيئة المادية: المناخ، والمناظر الطبيعية الحضرية، وظروف من هذا القبيل. بل ينطبق أيضاً على البيئة الإجتماعية والسياق السياسي والتاريخي.وهي ذات تقنية حكيمة، فإستخدام الهندسة والمواد المتقدمة وتزيين المبنى بأجهزة موفرة للطاقة ليس بالضرورة أمراً ذكياً، في حين أن عدم الثقة في الحلول التكنولوجية يعد أمراً غبياً للغاية.

إن مصطلح المدينة الذكية تم إطلاقه عام 1994م، وتحديداً في أوروبا، وإنتشر هذا المصطلح في معظم مدن العالم، وتم تطبيقه في أنحاء متعددة من العالم، خاصة البلدان المتقدمة تكنولوجياً وأصبحت هناك مدن ذكية في أوروبا وأمريكا وآسيا واستراليا، وكانت هناك نماذج لمدن ذكية عالمية مثل مدينة هلسنكي في فنلندا. والسؤال المطروح حالياً هل تستطيع هذه المدن في تحقيق حلم الإنسان في حياة مريحة ذات إقتصاد مناسب لأي فئة؟ وهل تناسب هذه المدن كافة المستويات المعيشية المختلفة للكافة؟

في البداية مرت المدينة الذكية بعدة مراحل تمثل إتجاهات رئيسية للمدن ، حيث يوجد إتجاهان لمفهوم المدينة الذكية، الأول منه يستند إلى إعتماد المدينة على وسائل الراحة الرقمية من خلال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات كأداة لتحسين المدينة لجعل الخدمات الحضرية والتنقل بالمدينة أكثر كفاءة وفعالية ولتعزيز جودة وأداء هذه الخدمات للحد من التكاليف وإستهلاك الموارد والإنخراط بشكل أكثر فعالية بنشاط مواطنيها إذ أن الهدف الأساسي للمدن الذكية في هذا الإتجاه هو نوعية الحياة كشرط أساسي لحياة الإنسان۔

أما الإتجاه الثاني فيمثل مبادئ النمو الذكي للمدينة وهو الإتجاه الذي يسعى إلى التحكم بنمو المدينة بطريقة ذكية من خلال مجموعة من المبادئ لإستعمال الأراضي والتنمية التي تهدف إلى تحسين نوعية حياتنا والحفاظ على البيئة الطبيعية وتوفير المال مع مرور الوقت۔

تتعدد وتتنوع أهداف المدن الذكية فمنها إمكانية حصول سكان المدينة الذكية على الخدمات العامة وإجراء التعاملات الإلكترونية والوصول إلى قواعد المعلومات المختلفة وإيجاد إقتصاد رقمي يكون عاموده الفقري شبكات الإتصال وتقنية المعلومات كذلك ظهور أسلوب حياة وبيئة عمل جديدة تتواكب مع الإيقاع السريع لعصر المعلوماتية وتحسين مستوى الخدمات الإدارية والإقتصادية والإجتماعية في المدينة الذكية۔ وأيضاً إيجاد فرص عمل جديدة تختلف عن مثيلاتها في المدن التقليدية۔

إن التحول نحو المدن الذكية محكوم بدوافع منها الهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة وبحلول عام 2045م۔ سترتفع هذه النسبة إلى 80% مما ينتج معه تحد كبير للبنية التحتية للمدن التقليدية والحل الوحيد هو جعلها فعالة وأكثر كفاءة وترشيداً بالأنظمة الذكية ويعتقد كثير من الخبراء أن المدن المستقبلية إن لم تصبح ذكية فإنها ستنهار۔

من آهم مزايا المدن الذكية هي كونها قادرة على تنفيذ إدارة البنية التحتية (ماء – طاقة – معلومات – إتصالات – نقل – خدمات وطوارئ ) بالإضافة إلى المرافق العامة والمباني وإدارة فرز النفايات، وجود شبكة إستشعار لاسلكية وهي عبارة عن شبكة من أجهزة إستشعار ذكية لقياس العديد من المعلومات ونقل كافة البيانات في الوقت نفسه للمواطنين أو السلطات المعنية۔ كذلك توفير الخدمات المختلفة للسكان والشركات لاسيما ما يتعلق بضمان كفاءة المرور خلال أوقات الذروة والخدمات الإلكترونية للحصول على الموافقات وتصاريح الأعمال من خلال الرفع من الكفاءات التشغيلية۔ ومن مزايا المدن الذكية أيضاً العمل على إستقطاب الإستثمارات الأجنبية التي من شأنها تساعد على تدعيم الابتكار والإبداع من خلال العمل على تسخير كل العوامل المساعدة في جذب الأعمال والمشاريع مما يؤدي إلى المحافظة على النمو الإقتصادي۔ كذلك تقديم بيئة آمنة وتوفير طاقة فعالة للسكان من خلال تنفيذ حلول ذكية مثل توفير الدوائر التليفزيونية المغلقة والعدادات الذكية وأنظمة إدارة المباني والإضاءة والتفاعلات الصوتية الذكية لرصد سلوكيات السكان بشكل أفضل وتعزيز كفاءة إستخدام الطاقة۔ أيضاً توسيع مشاركة السكان في مستويات متباينة لضمان جودة حياة أفضل مما يسمح للسكان من تقديم الآراء والملاحظات والتواصل مع صناع القرار بشكل مباشر ومستمر۔

إن تحقيق مبدأ المنشأ الذكي ومن ثم المدينة الذكية يتم من خلال التركيز على بنية تحتية ذكية ومترابطة، وتكامل الأنظمة مع إشراك القطاع الخاص للمشاركة في رحلة التحول الرقمي للخدمات المقدمة. من المهم أيضًا تسليط الضوء على الدور المتوقع أن تلعبه الشركات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من الابتكار وتقديم نماذج أعمال جديدة يمكنها خفض التكاليف وضمان أقصى قدر من الكفاءة۔

 

د۔م۔ هاني عيسى الفقي

أستاذ التصميم الحضري

    

 

 

  

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى