آراء حرة

دكتور محمد علي الطوبجي يكتب.. العقود الأخيرة الأكثر تعقيدا و تأثيرا وكارثية بالعالم

لا اعتقد ان العالم قد شهد خلال عقود طويلة ظروفا اكثر سوءا وسوادا او اشد كآبة وكارثية من تلك التي يمر بها الآن.وإذا رصدنا الجذور والبدايات التي انبثقت منها هذه الدراما العالمية الماساوية الكبيرة ، فسوف نجد انها بدات مع مؤامرة ١١ سبتمبر ٢٠٠١ بكل الغازها وطلاسمها المحيرة والغامضة والتي سوف تبقي اسرارها الحقيقية مدفونة في اراشيف وملفات اجهزة المخابرات الامريكية التي تحوي ما خفي من اسرار العالم بالوثائق والمستندات.. وكانت هذه المؤامرة المفتعلة والمدبرة باحكام هي بداية ما اسموه بحربهم الاستباقية علي الارهاب الدولي لتدميره بلا هوادة كما زعموا في كافة معاقله واوكاره التي كان للشرق الاوسط النصيب الاوفر منه وهنا وبعد غزو العراق واحتلاله واسقاطه، انتقلت الحرب المزعومة علي الارهاب الي العديد من دول الشرق الاوسط ، وفي القلب منها دول المنطقة العربية باعتبارها علي حد زعمهم المنتج الرئيسي في العالم للارهاب والتطرف الديني في اعنف صوره ومظاهره… وكانت وسيلة الغرب الي ذلك ، ليست بالتصدي للارهاب والعنف والتطرف لحله من جذوره بمعالجة اسبابه واحتواء اخطاره وتهديداته ، وانما بنشر الفوضي بافشال الدول واسقاط الانظمة بذريعة التحول نحو الديموقراطية والدفاع عن حقوق الانسان وغير ذلك من الشعارات الخادعة التي افرزت في النهاية اسوأ ما في هذه المجتمعات العربية كلها وقلبت لها اوضاعها راسا علي عقب وافقدتها معالمها ومزقتها بالحروب الداخلية والطائفية ودمرت لها استقرارها وتوازناتها السياسية وسدت كل منافذ الحل لازماتها في وجهها.. وحولتها الي بؤرة مشتعلة في واحدة من اخطر مناطق الصراع في العالم…و اشتعال كل هذه الحرائق في الشرق الاوسط والتي فجرت العديد من دوله من داخلها بادوات الاعلام الغربي المسموم ودعاياته الخبيثة الماكرة المسماة بحروب الجيل الرابع والتي فعلت بالدول ما عجزت عنه الجيوش النظامية ، وتجربة العراق تشهد ، ومع توالي سقوط دول المنطقة العربية تباعا ، اندلعت فجأة وبلا سابق مقدمات الجائحة الاخطر والاشد دمارا في التاريخ، وهي جائحة كورونا او وباء كوفيد – ١٩ الذي ضرب العالم كالاعصار الجامح المدمر في كل مكان، ودمر له شرايين حياته الاقتصادية الحيوية وزاد من عزلة دوله عن بعضها وكان كالكرب العظيم الذي حصد ارواح ملايين البشر واحدث مناخا مخيفا من الذعر والهلع عشناه واكتوينا بويلاته ، وشكلت جائحة كورونا منعطفا خطيرا في تاريخ العالم.. وعلي قدر ما ابرزت الحاجة الي تسانده وتكاتفه وقتها لمواجهة التحديات البيئية الجديدة الا ان ذلك لم يحدث، وسرعان ما انقسم العالم علي نفسه وتغيرت قائمة اولوياته واهدافه وليعود الصراع ليضربه في اعنف صوره من جديد، لكن هذه المرة بالحرب التي فجرها الرئيس الروسي بوتين في اوكرانيا وكانت كارثة ما بعدها كارثة ليست علي روسيا واوكرانيا وحدهما، وانما علي العالم باسره. لم تكن ذيول جائحة كورونا قد تلاشت بعد، عندما جاء بوتين ليصب الزيت علي النار بالحرب التي اشعلها في اوكرانيا دون سبب مقبول او ذريعة مقنعة كانت تدعوه لان يفعل ما فعله بهذه الصورة المتسرعة والغبية في حساباتها التي انبنت عليها توقعاتها.. تصورها حربا سريعة وخاطفة لكنها تحولت سريعا الي حرب استنزاف دامية وبطيئة ومكلفة.. حرب تورط فيها بعمق خلافا لما اراده وخطط له ، وجعل العالم كله يدفع ثمنها كما لم يدفعه في اي حرب اخري سابقة عليها، لا في كوريا ولا في فيتنام ولا في افغانستان ولا في حروب الشرق الاوسط ولا في العراق ولا في اي مكان.. ومصيبة هذه الحرب التي دمرت للعالم اقتصاده وضاعفت من ازماته انها لا تجد منه المستوي المنشود من التعاون لحلها بالدبلوماسية ، وهو ما يزال يعول علي الحرب سبيلا وحيدا لتحقيق هدفه منها ، وهو ما لن يحدث ، فمزيد من الحرب يعني مزيدا من الخراب له وللعالم كله… وهو بعناده وصلفه وغروره وبانفراده بسلطة اتخاذ القرار لا يريد ان يتراجع عن موقفه ويعيد تقييم ارباحه وخسائره في هذه الحرب ليعرف كيف يضبط مؤشراته في الاتجاه المناسب.هذا هو شكل العالم الكئيب الحالي والذي يزيده سوءا وتدهورا ، الكوارث البيئية المتلاحقة التي تضربه من احترار عالمي الي سيول وفيضانات واعاصير مدمرة الي حرائق غابات حتي في اكثر المناطق برودة في العالك ككندا وغيرها من ظواهر التصحر والجفاف ونضوب الموارد المائية التي تشكل مورد الحياة الطبيعي للكثير من الدول ، كل ذلك مع تدهور واختلال بيئي شامل وخطير وغير مسبوق ، حتي اننا نعيش حقبة بيئية قد تكون هي الاسوأ في تاريخ العالم حتي الآن… تحديات بيئية تكاد تكون بلا حل مع تدهور الصراعات في العالم وانقسام الدول الكبري علي بعضها كما لم يحدث اطلاقا في فترة الحرب الباردة القديمة.. فقد اصبحنا الآن نعيش مرحلة حرب الكل ضد الكل.. حيث العشوائية والارتباك والتخبط في كل مكان وبلا استثناء.. اقصد في الشرق والغرب علي السواء….ولا يزال الحبل علي الجرار ، والشعوب وحدها هي اكثر من يدفع الثمن لاخطاء الانظمة والحكومات.أما عن المستقبل ، فيبقي في تصوري خارج دائرة التنبؤ ، ويبقي الله وحده هو الاعلم به… هذا هو العالم الذي تصورناه بعد انتهاء الحرب الباردة القديمة أنه سيكون طريقا الي الامل نحو عالم افضل اكثر سلاما وهدوءا ورخاءا واستقرارا وانسانية وتعاطفا مع فقرائه من عالم سبق، لكن ظنونا خابت ورهاناتنا ضاعت ، الي حد بدانا نتحسر فيه علي عالم لم يكن بالمقارنة مع ما جاء بعده ، سيئا او معيبا الي هذا الحد…

دكتور محمد علي الطوبجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى