آراء حرة

دكتور محمد علي الطوبجي يكتب.. السيناريو الروسي الأوكراني إلى أين ؟

خلافا لما كان متوقعا ، وبدلا من أن يرى الرئيس الروسي بوتين في اجتماع جدة حول اوكرانيا طريقا الي وضع نهاية قريبة لهذه الحرب العبثية الفاشلة ، والانطلاق منها الي التفاوض حول سلام دائم يحول دون تكرارها ، تحول إلى انتقادها ووصفها بانها محاولة غربية لحشد العالم وتكتيله وراء اَوكرانيا ضد روسيا، وهو ما يعني ان ما تمخض عنه هذا الاجتماع الدولي الكبير من مخرجات لا يعنيه ، ولا يستحق منه الالتفات اليه وتحديد موقف لروسيا منه .كل ذلك وغيره يؤشر بانه لا توجد لدي روسيا خطة سلام محددة المعالم لانهاء الحرب الاوكرانية ، كما انها ليست علي استعداد لابداء المرونة الضرورية في مواقفها او تقديم اية تنازلات من جانبها لسد الفجوات وتقريب المسافات وتذليل الصعاب ، وان ما ضمته اليها من الاراضي الاوكرانية قد انتهي امره واصبح من حقها وان علي المتضرر ان ينتزعها منها بالقوة اذا استطاع ، اي ان علي اوكرانيا ان تسلم بالامر الواقع علي اطلاقه ، وان تقر بان ما ضاع من اراضيها قد ضاع منها الي الابد..وهو ما يخرج عن حدود اي منطق تفاوضي مقبول ، لان الاكراه واملاء الشروط من طرف علي طرف آخر شيئ ، والتفاوض المرن القائم علي قاعدة كافية من التنازلات المتبادلة شيئ إخر ولان التنازلات المتبادلة هي الطريق الي التسويات الدولية المتوازنة والحلول التوافقية الوسط.. …وهو ما يغيب تماما من الموقف الروسي في تعامله مع ازمة هذه الحرب.. فهو موقف جامد ومتصلب ويتصرف طول الوقت بمنطق كل شيء مقابل لا شيئ..وهو لا يريد ان يتوقف ويراجع نفسه علي ضوء الحقائق المهمة التي كشفت عنها هذه الحرب .وهذا يعني ببساطة انه لم يعد يعني بوتين ان تستمر حربه في اوكرانيا عاما آخر او عشرة اعوام ، مهما كانت تكاليفها واعباؤها وخسائرها ، ولانها بداية الطريق في اعتقاده الي تغيير النظام الدولي الحالي ولتاخذ روسيا موقعها كاحد الاقطاب الكبار فيه… وان ما نتكبده روسيا في اوكرانيا من خسائر وتضحيات هي التكلفة التي لا بد منها لاحداث هذا التغيير الدولي الكبير..وهذا هو الوهم الذي بدأ منه حديثه عن هذه الحرب وتبريره لها وما يزال…وهو ما يخرج تماما عن حدود ما يمكن تصديقه او مجاراته فيه ، ولان ما يتحدث عنه اعقد واصعب من هذا بكثير..فلا حرب اوكرانيا ولا عدة حروب مثلها تكفي لاحداث مثل هذا التغيير.. هذا بايجاز هو موقفه ، وهذه هي طريقته وعقليته وشخصيته ، وهذا مهم في فهمنا لردود افعاله ولاسلوبه في اتخاذ قراراته ، كما ان هذه هي جماعته من المستشارين الذين يحيطون به ويسمعونه ما يريد فقط ان يسمعه منهم ويتوافق مع خططه وافكاره وتوجهاته ، هذا بينما لا يسمع للشعب الروسي صوت في هذه الحرب التي فرضت نفسها عليه من قيادته ولم يسعي اليها، فالشعوب تكره الحروب ولا تطيقها لما تحدثه من دمار في حياتها ومن تخريب لواقعها ولان الطريق الي التقدم في الحياة هو السلام والتنمية والبناء وليس الحرب والخراب.. والشعب الروسي لا يختلف عن باقي شعوب العالم، بل قد يكون من اكثرها كراهية للحرب بعد ان فعلت فيه الحرب العالمية الثانية من الدمار ما لم تفعله في غيره من الشعوب..    وما علي العالم سوى الانتظار على حرب كانت هي الاسوأ في ادارتها والافدح في تكاليفها وخسائرها والاكثر غموضا وضبابية في ما يمكن أن تفضي إليه من نتائج ونهايات…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى