آراء حرة

دكتور/ حسين سيد حسن عبدالباقي يكتب.. ثورة التكنولوجيا المالية

  


     يعتبر مصطلح التكنولوجيا المالية Financial Technology والذي يتم اختصاره بمصطلح فينتيك” FinTech من أهم المصطلحات المالية التي ظهرت في القرن الواحد والعشرين، ويتضمن أي ابتكار مالي في كيفية تعامل الناس مع الأعمال في المدفوعات، والتحويلات المالية، والمحافظ الإلكترونية وغيرها من اختراعات الكترونية ، ونقود الكترونية ، والمال المشفر، والتعامل مع الأموال بشكل الكتروني، والسجلات المحاسبية الرقمية، ونمت التكنولوجيا المالية بشكل هائل منذ ثورة الإنترنت، وثورة الإنترنت عبر التليفون المحمول، وتشير التكنولوجيا المالية في الأصل إلى تكنولوجيا الكمبيوتر المطبقة في البنوك وغيرها من المؤسسات المالية والشركات التجارية. ولقد عرفت لجنة بازل للرقابة المصرفية التكنولوجيا المالية بأنها أي تكنولوجيا أو ابتكار مالي ينتج عنه نموذج أعمال أو عملية أو منتج جديد له تأثير على الأسواق والمؤسسات المالية.

    وتتمثل التكنولوجيا المالية في العمل الذي يوفر الخدمات المالية، من خلال المزج بين التكنولوجيا الحديثة والبرمجيات المتطورة والحلول العصرية، حيث تتنافس شركات التكنولوجيا المالية، وشركات تكنولوجيا المعلومات والتجارة الإلكترونية وغيرها، مع البنوك في معظم مجالات القطاع المالي، من أجل بيع الخدمات المالية والحلول المالية للعملاء، الأمر الذي أدى إلى تجزئة وتوسيع سوق الخدمات المالية، وزيادة حدة المنافسة، مما أدى إلى فرض تحديات جديدة أمام السلطات الرقابية ، من حيث حتمية تطوير إطار جديد وقوي يدعم الابتكار والثقة بالسوق المالية.

       ويعد التطور الرقمي من أهم ركائز مستقبل القطاع المالي والمصرفي، حيث يتجه العملاء بشكل متزايد نحو تنفيذ معاملاتهم المصرفية من خلال التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية، وتتمتع التكنولوجيا المالية بقدرة حقيقية على تغيير هيكل الخدمات المالية التقليدية، فالتكنولوجيا المالية تجعل الخدمات المالية أسرع، وأقل تكلفة، وأكثر أمناً وشفافية وإتاحة، خصوصاً للشريحة الكبيرة من المجتمع المحلي والدولي التي لا تتعامل مع القطاع المصرفي، ولذلك يشكل قطاع التكنولوجيا المالية ثورة في الأنظمة المالية العالمية، لما يمتلكه من قدرة حقيقية على جعل العمليات والخدمات المالية أسرع وأقل تكلفة ، وأكثر أمناً وشفافية. ويتمثل الدور المحوري للتكنولوجيا المالية في القطاع المالي والمصرفي في تحسين آليات جذب العملاء، ومعالجة أسرع للمعاملات المعقدة، وتحقيق شمول مالي أفضل، وتخفيض تكلفة الخدمات، وتقديم التحليلات المالية المتقدمة، ونقل المعرفة وتحقيق الشفافية، وتحقيق الاستقرار المالي.

     ولقد أصبحت التكنولوجيا المالية المبتكرة أحد أهم الصناعات الواعدة على مستوى العالم، وذلك لقدرتها على استخدام الأليات والتقنيات التكنولوجية الحديثة، والاستفادة منها في توسيع نطاق تقديم الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، ولقد أدى التطور الهائل الذي يشهده عالم اليوم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى ظهور العديد من التطبيقات والحلول المالية والمصرفية المبتكرة، والتي تساعد بشكل كبير في زيادة كفاءة الخدمات المالية وتوسيع انتشارها، وما يترتب على ذلك من تأثير إيجابي على الاقتصاد القومي.

  وحرص البنك المركزي المصري من منطلق دوره كمحفز لعملية التطوير وداعم لصناعة التكنولوجيا المالية على النهوض بصناعة التكنولوجيا المالية ، فقد قام البنك المركزي المصري في مارس 2019 بإطلاق استراتيجيته المتكاملة للنهوض بمنظومة التكنولوجيا المالية والابتكار، والتي تهدف إلى تحويل مصر إلى مركزاً إقليمياً لصناعة التكنولوجيا المالية، وأسس البنك المركزي المصري مركز التكنولوجيا المالية” فينتك مصر” ، القائم على تشجيع التكنولوجيا والابتكار، حيث يعمل مركز التكنولوجيا المالية كمنصة موحدة تجمع كافة أطراف منظومة التكنولوجيا المالية في مكان واحد، بما فيهم رواد أعمال التكنولوجيا المالية، والمؤسسات المالية، والجهات الرقابية، ومقدمي الخدمات، وأصحاب الخبرات، والمستثمرين.

   ويهدف المركز المجمع لصناعة التكنولوجيا المالية إلى تسهيل التواصل والتعاون بين كافة المتعاملين مع المركز من المؤسسات المالية، والمستثمرين وأصحاب الخبرات، ورواد أعمال التكنولوجيا المالية الناشئة، ودعم تمويل الشركات الناشئة عن طريق توفير شبكة تواصل مع المستثمرين وصندوق التمويل، لدعم ابتكارات التكنولوجيا المالية. كما يعتبر المركز منصة تواصل تربط بين كافة أطراف منظومة التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى إمكانية التقديم للمختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة، والذي يعمل كبيئة اختبار افتراضية لاختبار تطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة. كما يعد المركز مكان صالح لاستقبال الفاعليات والمؤتمرات وورش العمل والبرامج التدريبية الخاصة بالتكنولوجيا المالية. وقد بدأ مركز التكنولوجيا المالية أعماله في عام 2019، واتخذ المركز من مبنى البنك المركزي المصري القديم بمنطقة وسط القاهرة مقراً له، ليفتح أبوابه بوصفه ملتقى لكافة أطراف منظومة التكنولوجيا المالية.

  وأعتقد أن التكنولوجيا المالية تسعى إلى تحقيق العديد من الأهداف التي ستظهر مع مرور الوقت على الاقتصاد المصري، بداية من تحسين حياة المواطنين المصريين، وإضافة مزيد من التسهيلات على عملية نشر الخدمات المالية في المجتمع المصري، بالسرعة المناسبة، والتكلفة المنخفضة، وانطلاقًا إلى تنمية الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات التنمية، ولعب البنك المركزي المصري دوراً هاماً في دعم التكنولوجيا المالية من خلال تأسيس مركز التكنولوجيا المالية ، وإطلاق صندوق تمويل الابتكارات، بهدف تحقيق الشمول المالي، وتوسيع المظلة الخاصة به، انطلاقًا من سعي المجلس القومي للمدفوعات لتحويل مصر إلى اقتصاد رقمي خلال السنوات المقبلة. 

  وأرى أن القطاع المصرفي المصري سيحقق مردودًا إيجابيًا من تطبيقات التكنولوجيا المالية ، من خلال تطوير الخدمات المصرفية وفقًا لأحدث التكنولوجيا، وزيادة قدرته على ضم مزيد من المواطنين المصريين ضمن منظومة الشمول المالي، وخفض استخدام التعامل بالنقود الورقية، والتحديث المستمر للبنية التحتية للقطاع المصرفي المصري، ويتطلب انتشار تطبيقات التكنولوجيا المالية في أي مكان لا مركزية في اتخاذ القرارات، وإجراءات ميسرة لتشجيع انتشار التكنولوجيا المالية، وتساهم التكنولوجيا المالية في ضم الاقتصاد غير الرسمي لمنظومة الاقتصاد الرسمي، وتوسيع قاعدة المجتمع المصري المتعامل مع البنوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى