آراء حرةالجيش والشرطةمانشيتات

على هامش الذكرى الأليمة لسقوط بغداد | الذين جاءوا إلى الشرق …!

ولازال الاستعمار مستمرا دون طلقة رصاص واحدة - بتحييد الجيوش العربية عن الحروب القائمة لهدم الهوية والثقافة واختراق الوعي...

محمد قريش – يكتب من : مصر القاهرة

  • عرض وتقديم : عمرو عبدالرحمن

■ ■ ■

■ الخوف القاتل يعتصر قلبه الصغير البرىء ، عيناه المذعورتان تحملان كل رعب و الم و رهبة الدنيا ، عالمه الطفولى المحدود انهار تماما ، يريد أن يغمض عيونه عن كل هذا الخراب الكابوسي الجنائزي من حوله ، جسده يرتجف وسط تلك الظروف التي لم يعتدها من قبل ، يبحث عن دفء حضن امه وأمان صوت ابيه و جدران منزله النظيف وركن ألعابه البسيطة الجميلة ودولاب ملابسه القليلة المنمقة

■ تخلى عنه الجميع ، يشعر بالجوع الشديد يمزق احشاءه ، يجب أن يبحث عن اسرته قبل أن يحل الظلام على مدينة ام القصر العراقية ، فجأة يجد صغيرنا الأسمر الجميل  امامه رجل ضخم قوي مخيف في ملابس غريبة و يتحدث لغة اغرب لا يفهمها الصغير ، الخوف يشله تماما ، يحاول أن يتحرك فيعجز ، الرجل الضخم يضحك و من خلفه رفاقه بنفس الضخامة  الجسدية و الزي المموه بشعار النسر الأمريكي ، يبدو ان ثمة رهان ما يدور بينهم ،على اثره أحدهم يشهر بندقيته الحديثة ذات المنظار …..

ليسكن جسد صديقنا الغالي المرتجف الباحث عن أمه إلى الأبد…

 

لماذا ؟!… و كيف ؟! … و ماذا حدث ؟! … و لما حدث ؟!

أسئلة كثيرة ستجد لها إجابات في السطور التالية

■ ■ ■

■ بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار قوات الحلفاء على المحور ، كان الوقت قد بات مناسبا لتنفيذ الخطة القديمة لزراعة تلك الدولة التوراتية المعادية في داخل جسد الوطن العربي.

■ خروج العدوان الثلاثي من مصر كان بمثابة الإعلان الرسمي عن تغير قطبى العالم ، الخروج من حقبة الصراع الفرنسي البريطاني إلى مرحلة الحرب الأمريكية السوفيتية ، و بالطبع كان الشرق الاوسط أحد أهم مسارح تلك العمليات

■ في تلك المرحلة ، ضعفت فكرة الاستعمار التقليدي الكلاسيكي ، و ظهرت خطوط الموضة الجديدة القادمة من واشنطن ، الاستعمار الحديث طويل المدى الذي يعتمد على الوسائل الثقافية و السياسية و الاقتصادية و المخابراتية أكثر من الجيوش و العدد و العتاد خصوصا بعد تجربة أمريكا المريرة في فيتنام

■ منطقة شرق البحر المتوسط التي تضم العالم العربي و إيران و تركيا كانت مصدر قلق دائم لسادة العالم الجدد ، لأسباب كثيرة تتعلق بالتاريخ و الجغرافيا و الحضارة و البترول و مصادرالطاقة و الفكر التوراتي التلمودي

■ كانت الخطة الأمريكية طويلة الآجل متعددة المراحل ذات هدف صريح واضح ، منع أية إمكانية لتوفر شروط ثقافية و دينية و سياسية واقتصادية و آمنة تسمح لشعوب المنطقة بالتقارب و التعاون و صناعة نهضة حضارية قد تهدد مصالح الأمريكان

■ درس ابناء العم سام عقليات و ثقافات الشرقيين جيدا ، وتم وضع الخطة المعتمدة على فكرتين ، الفكرة الأولى صناعة أنظمة متحالفة مع الغرب في الخفاء ، لكنها تظهر له العداء بشكل عنتري ملائم لعقول سكان المنطقة

■ الفكرة الثانية هى دعم جماعات و تيارات الإسلام السياسي البريطانية ، التي ستصنع صراعا مجتمعيا دينيا سياسيا فكريا أيدلوجيا طائفيا داخل المنطقة ، هذا الصراع الصفري المحتدم كفيل بإنهاك المنطقة و إضعافها ووضعها في آتون الحروب و فتن الضغائن ، و هومايسمى بإستراتيجية الإضطراب المستمر

■ الفكرة الثانية كانت شيطانية بحق ، تدمير الإسلام من خلال المسلمين أنفسهم عن طريق القطبية ، ثنائية السنة و الشيعة لتدمير الطابع الديني المميز للمنطقة و تدمير و مسخ الهويات الوطنية ، كانت الخطوة المرحلية في الخطة دعم النفوذ الأمريكي في الرياض و طهران

■ تم إختيار المملكة العربية السعودية لتكون القطب السني ، وبالطبع إيران كانت هى القطب الشيعي ، تم دعم التيارات السلفية و الفكر الوهابي و اتباع البنا و نشر كتب قطب و خطب كشك في الجزء السني ، و في المقابل تم دعم الملالي و تسويق الخوميني كرمز شيعي في جزء هائل من العالم الإسلامي

■ جاءت حرب أفغانستان لتكون فرصة ذهبية للمخابرات الأمريكية لمواجهة الخصم الاحمر و تجربة المنتجين السني و الشيعي ، فرصة مجابهة تغلغل موسكو في كابول بواسطة الشباب العربي المسلم الغاضب الثائر من السنة و الشيعة

■ كانت الحرب الأفغانية نواة تاسيس تنظيم القاعدة الأمريكي بعد النجاح المبهر الذي فاق كل تقديرات الموقف في مواجهة السوفيت ، و كانت بداية صناعة شبكات أمريكية بعيدة تماما عن الشبهات تتحكم بشكل مطلق في التيارات السلفية في العالمين العربي و الإسلامي ، التيارات التي تحقق فكرتي الخطة الأساسية

■ بعد تجربة كابول ، كانت الثورة الإسلامية الإيرانية هى الخطوة التالية المهمة في إطار نفس المخطط ، الثورة الأمريكية الخالصة المصنوعة في أروقة مكاتب ضباط المخابرات الأمريكية ، و مدعومة ماليا و عسكريا و مخابراتيا من هناك ، و هلل لها كشك و رفاقه ، و كانت خطوة عملاقة في طريق المخطط ، اصبحت بعدها الشعوب العربية تعمل ضد مصالح أوطانها ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا

■ خطوة طهران و الخوميني آتَتْ أُكُلَهَا، صنعت حالة من الطائفية في المنطقة لاسيما في القاهرة و دمشق و بغداد وبيروت ، و كان سببا مباشرا في عقاب البطل المصري الداهية محمد أنور السادات على نجاحه في ملحمة أكتوبر 1973 ، و كذلك في الحرب العراقية الإيرانية التي كانت في مقدمة تكليفات الأمريكان للخوميني قبل الثورة

■ دارت الأيام ، ثم خرج فيلم مركز التجارة العالمي سبتمبر 2001 إلى النور و تم خلق أسطورة بن لادن في الشرق ، حركت واشنطن الأساطيل الضخمة لغزو العراق و أفغانستان ، بلاد الأفغان مركز أرباح زراعة و تجارة الأفيون في العالم ، و العراق ساحة الصراع الدامي الشامل المنتظر بين القطبين السني و الشيعي و مخزن النفط الهائل و عدو الدولة التوراتية و كنز الأسرار القديمة ، و تم تدشين النظام العالمي الجديد بنجاح

■ بصفة عامة تذكر دوما ، الحركات الأصولية الاخوانية و السلفية كانت و مازالت تدعم بشكل مباشر و غير مباشر الخطط الأمريكية العبقرية ، تارة تستخدمهم واشنطن لتنفيذ مهام وتكليفات صريحة ، تارة اخرى تستخدمهم فزاعة للوصول إلى أهدافها تحت شعار مكافحة الإرهاب 

■ المهم بعد النجاح في كابول و طهران وبغداد ، كانت الخطوة التالية فائقة الأهمية في تركيا ، إستخدام نفس الفكرتين من جديد و دمجهما لصناعة تيار إسلام سياسي في حلة جديدة ، يبدو للسطحيين و كأنه يجمع بين الدين و الحداثة مع معاداة الغرب و بهارات العنتريات المحفوظة المعتادة المحببة إلى قلوب و نفوس سكان الوطن العربي

■ قبل ذلك بقليل ، و مع عصر السماوات المفتوحة و الفضائيات ، و بالتعاون الأمريكي مع جهاز الموساد الإسرائيلى ظهرت فكرة قناة الجزيرة وتم دعمها و الترويج لها ، القناة الوليدة كانت ذات أجندة محددة في البداية ، دعم النقائض لخلق صراع مجتمعي ، دعم النخب العلمانية و التيارات الأصولية مع تزييف التاريخ و الترويج للفتن في إطار جذاب مبهر ، لتصبح الأكاذيب و الشائعات من الحقائق و المسلمات بعد فترة

■ شبكة الجزيرة القطرية غيرت كل المعطيات في المنطقة ، نجحت بفضل ميزانية جبارة في ذلك المزج العلمي الدقيق الخفي بين فن الإعلام و فن المخابرات حسب المدرسة الأمريكية ، و الأهم خلقت شبكة هائلة من العملاء و المنتفعين من النخب و المثقفين في معظم بلدان العالم العربي ، و دمرت وعى الشعوب العربية بسلسلة محكمة مترابطة من الأكاذيب و الحكايات

■ المراحل المتقدمة من الخطة بدأت مع إنتخاب باراك حسين أوباما ، وكانت ساعة الصفر لبداية عملية تفعيل المخطط السني الشيعي في 4 يونيو 2009 مع زيارة أوباما للمحروسة و إعلان الحرب على مصر من قلب جامعة القاهرة

■ الخطوة الأخيرة حملت اسم الربيع العربي ، بعد سنوات من قصف الجزيرة الإعلامي الذي قتل الوطنية و صنع الحيرة و التخبط لدى الشباب العربي ، تم تصديرو ترويج مضمون ظاهري عن الشباب الطاهر الثائر الوطني البرىء الذي يطالب بالحرية و العيش و العدالة الإجتماعية

■ هذا الربيع الدموي المزعوم هو عملية مخابراتية عالية الدقة لتمرير المخطط القديم و خدمة مصالح أمريكا و إسرائيل في المنطقة ، للوصول إلى حلم الحرب السنية الشيعية التي لا تبقي و لا تذر

■ كل من لايريد أن يفكر أو يفهم أو يبحث أو يستوعب كل ما سبق بعد كل تلك الأحداث الرهيبة المعاصرة التي شاهدنها ، مشارك بشكل ما في جريمة قتل طفل مدينة أم القصر العراقية في بداية المقال ، مساهم في جرائم كثيرة مماثلة.

.

حفظ الله مصر والعرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى