علاء رزق

دكتور علاء رزق يكتب..السياسة الصناعية الداعمة للنمو الوطنى(٢)

 

دكتور علاء رزق

رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام

تناولنا فى المقال السابق أن برنامج الإصلاح الإقتصادي الثاني يستند على ثلاث دعائم أساسية ،زراعية توسعية، وتكنولوجية صاعدة ، وتوطين صناعة،وخاصة للصناعات التحويلية، ولاشك أن الوضع الاقتصادي الحرج الذى تشهده دول العالم ومنها مصر يتطلب أولا الإهتمام بقطاع الصناعة، خاصة الصناعات التحويلة، وثانيا تدعيم وثيقة المرتكزات الإستراتيجية للإقتصاد الوطني التي تقوم على ثمانيه محاور تستهدف منها، زياده معدل النمو الاقتصادي، ودعم الصادرات ،والاستثمارات، وراس المال البشري والإندماج في الإقتصاد العالمي، والتنمية المكانية المتوازنة،فالسياسة الصناعية تشير إلى الجهود الحكومية الرامية إلى تشكيل الاقتصاد عن طريق استهداف صناعات أو شركات أو أنشطة اقتصادية محددة من خلال الدعم، والحوافز الضريبية، وتطوير البنية التحتية، والقواعد التنظيمية الوقائية، ودعم البحوث والتطوير.وبالتالى فإن السياسة التي ترتكز عليها مصر في هذه الفترة تقوم على تنويع القاعدة الاقتصادية، وتشجيع وتوسيع مجالات الصناعات التحويلية وإستغلال وإدارة الموارد الإقتصادية لرفع مستوى الكفاءة الإنتاجية، مع السماح لرؤوس الأموال ، والخبرات الأجنبية بالمشاركة في المشروعات الصناعية.وهو ما تتجه إليه مصر حالياً ،فإستقبال الرئيس السيسي هذا الأسبوع على هامش مؤتمر “ايجبس ٢٠٢٤” موراي أوشينكلوس، الرئيس التنفيذي لشركة “بريتيش بيتروليوم” BP، ذات الاستثمارات المتنامية فى مصر والتى تزيد عن 6,5 مليار دولار ما بين إستثمارات مخططة وإستثمارات متوقعة،وعبر مشروعاتها الاستكشافية في قطاعي الغاز والبترول، والتى تتسق تماماً وجهود تحول مصر إلى مركز إقليمي لإنتاج وتداول الطاقة، فالأهمية التى توليها الدولة لتيسير عمل الشركات العالمية والقطاع الخاص فى هذا المجال أصبح مطلب تنموى.خاصة أن الأمر يتطلب ضرورة التوافق بين الجانبين فيما يتعلق بالتحول العادل للطاقة،وإنتاج الهيدروجين الأخضر، سعياً لتعظيم إستفادة الدولة من مواردها لصالح الأجيال الحالية والقادمة.وهذا النهج هو الدافع الأكبر لحرص الدولة المصرية على الشراكة الواسعة مع الشركات العالمية بإعتبارها أحد أكبر المستثمرين في السوق المصري للطاقة. تأكيد الرئيس السيسى أن حرص مصر كان منصبا على تطوير البنية التحتية، بعد أن كنا نفقد ما يقرب من 9 – 10 مليارات دولار سنويا نتيجة سوء البنية الأساسية وحالة الطرق، خلال 7 سنوات ،وخاصة وأن مؤتمر باريس للمناخ تحدث عن توفير 100 مليار دولار لصالح الطاقة ودعم المناخ منذ ثمانى سنوات ، وهذا لم يتحقق على أرض الواقع، لأن هذا بيد الإقتصاديات الكبيرة ، وهى فى نفس الوقت المسئولة عن الكثير من أسباب التغير المناخي الموجودة في العالم، وبالتالي فإن القيادة السياسية يجب أن تكون حريصة على استمرار جذب استثمارات هذه الشركات العالمية خاصة في مجالى إستكشاف الغاز والبترول في مصر، والتركيز والتأكيد أن مصر تمتلك من المقومات ما يجعلها ذات أولوية في مجال الاستكشاف، وذلك عبر تعظيم الاستفادة من التسهيلات البرية والبحرية المقامة لتسريع خطط التنمية والإنتاج لتلبية الطلب المتنامي للسوق المحلي، ودعم مساعي الدولة لتصدير الفائض من الطاقة.كما يجب النظر أيضاً إلى السياسة الصناعية على أنها قد أصبحت سمة رئيسية من سمات السياسة الاقتصادية لأى دولة متقدمة ، فإدارة بايدن تسعى لتمرير قانون لإيجاد حوافز مساعدة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم (CHIPS Act)، والذي يهدف إلى تنشيط صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. لان أكثر من 90% من الشرائح المتطورة،البالغة الأهمية للدفاع والذكاء الإصطناعي،يأتي من مقاطعة تايوان الصينية مما يثير مخاوف بشأن احتمال تعرض الصناعة الأمريكية للمخاطر في حالة وقوع هجوم. كما تقدم اليابان دعماً تتجاوز قيمته 500 مليون دولار إلى 57 شركة بهدف تشجيع الإستثمار المحلي ،في إطار جهود الحد من الإعتماد على الصين.كما يعمل الإتحاد الأوروبي على توسيع نطاق سياسته الصناعية – بما في ذلك عن طريق تخصيص 160 مليار يورو من صندوق التعافي من جائحة كوفيد-19 للابتكارات الرقمية. وأخيراً تحتاج مصر الى تركيز الضوء على التحديات التي تواجه صناع السياسات عند تحقيق التوازن بين مطالب النمو الاقتصادي، وإستقرار القطاع المالي ، وإقامة الشركات الوطنية الكبيرة. لأن تحقيق أي هدفين من هذه الأهداف على حساب التضحية جزئيا بالهدف الثالث، يجعل الأمر بمثابة معضلة ثلاثية. وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى