علاء رزق

دكتور علاء رزق يكتب.. دلالات قمة السلام والأمن والتنمية 

 

  د.علاء رزق 

رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام  

 إستطاعت القمة الروسية الإفريقية الثانية المنعقدة تحت شعار” من أجل السلام والأمن والتنمية” فى مدينة سان بطرسبرج هذا الأسبوع، وبحضور 49 دولة إفريقية من أصل 55 دولة أن تكون منصة حقيقية للحوار حول إيجاد مخرج للتحديات المتزاحمة اقليميا ودولياً، والتي تلقى بظلالها على أفريقيا بصفة عامة ومصر بصفة خاصة ،فمصر كانت فاعلاً رئيسياً في إطلاق النسخة الأولى قبل أربع سنوات في مدينة سوتشي عام 2019، عندما كانت مصر رئيسا للإتحاد الإفريقي، وفي هذه القمة ركزت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي خاصة في الجلسة الإفتتاحية على الإقتصاد العالمي الجديد، في ظل فشل العالم أحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية ،بعد ان أثبتت أمريكا فشلها الذريع فى قيادة النظام الرأسمالي، سواء في إحتواء ازمة التضخم التي ضربت العالم ولم تستطع السياسة النقدية عبر الفيدرالي الأمريكي التعامل معها، وقامت برفع سعر الفائدة 11 مرة متتالية منذ مارس 2022 وحتى أواخر يوليو الماضي، مما ادى إلى موجة إضطرابات حقيقية سواء في معدلات النمو الإقتصادي أو مؤشرات التنمية بالنسبة للدول الناشئة ومنها مصر، كما أكد على ذلك إفلاس العديد من البنوك الكبرى سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في الدول التي تمثل الرأسمالية في قارة أوروبا، وخاصة بعد تفاقم وضع الإقتصاد الأمريكي عبر الوصول إلى معدلات مديونية غير مسبوقة بلغت 31.4 تريليون دولار، لذلك أحسنت القيادة السياسية المصرية تناول العديد من الملفات الشائكة دولياً ، مع التأكيد على أهمية التكامل الأمني، وتعزيز السيادة للقارة الإفريقية، والحاجة إلى التعاون في العلوم وتكنولوجيا المعلومات، خاصة عمليه التحول الرقمى، والخدمات اللوجستية، وكذلك الأمن السيبراني الذي يمثل التهديد الأكبر للقارة الإفريقية الآن، ومن هنا نؤكد أن مشاركة مصر هي إستمرار لدور مصر الرائد فى تعزيز وصيانة مصالح شعوب أفريقيا والتي وصلت حالياً إلى1,5 مليار نسمة، خاصة وأن مصر رئيسة لتجمع النيباد الذي يمثل الوكالة الإنمائية للإتحاد الإفريقي، الساعى نحو التشاور والتعاون مع التجمعات الإقتصادية الإفريقية ،وبالتالي فإن النظرة التحليلية للعلاقات الإقتصادية الروسية الإفريقية تؤكد ان حجم التبادل التجاري بينهما لا يتعدى 18 مليار دولار خلال عام 2022، ولكن في هذه القمة تم التأكيد على إمكانية الوصول إلى 140 مليار دولار بحلول عام 2026 ، خاصة وأن معدلات الناتج المحلي للقارة الإفريقية خلال العشرين سنة الماضية تفوق المعدلات العالمية وهو ما إنعكس بالطبع على إصرار الجانب الروسي عبر شركة روس أتوم على إستكمال بناء محطة الضبعة الذرية التي تمثل نموذج لمتانة الشراكة، والقدرة على تعزيز ركيزة الأمن والسلم وعمق الروابط المشتركة بينهما وعبر حشد الموارد والإستثمار في التنمية والبنية التحتية ومشروعات الربط القارى. وبالتالي فإننا نرى أنه فى مقدمة المكتسبات التى حققتها هذه القمة لدول القارة السمراء بفضل الرؤية الثاقبة للرئيس السيسى هى حدوث انفراجة فى أزمة الحبوب التى اشتعلت عقب انسحاب الجانب الروسي من اتفاقية الحبوب والتى تركت آثاراً سلبية على الدول الأكثر احتياجا فى أفريقيا. والتعهد بالعمل على إنهاء الأزمة بعد تعهد الرئيس الروسى بوتين خلال القمة بتجاوز افريقيا هذه التداعيات، من خلال تصدير 50 ألف طن حبوب، واستبدال صادرات الحبوب الأوكرانية إلى إفريقيا. مع التعهد بتوريد الحبوب مجانا إلى ست دول بالقارة في غضون 3 أو 4 أشهر وهى بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وإريتريا إضافة الى تأكيد بوتين بأن روسيا ستزيد من إمدادات الحبوب وتوفير الإمدادات الغذائية في إطار برنامج الأمم المتحدة وتوريد 25-50 ألف طن لكل من الدول الإفريقية الست مجاناً وتقديم الدعم اللازم للدول الأفريقية في التكنولوجيات الزراعية.وتبقى مصر صاحبة الإهتمام الدولى عبر عدة مكتسبات فى هذه القمة، وفى مقدمتها مشروع الضبعة وتشييد منطقة صناعية روسية في منطقة قناة السويس في المستقبل القريب وإنشاء أول مرافق الإنتاج الصناعية في المنطقة هذا العام وقيام العديد من الشركات الروسية للعمل في مجال تطوير حقول النفط والغاز ، مع زيادة حجم التبادل التجاري بالعملات الوطنية بدلا من الدولار ،إضافة الى حرص موسكو على تعزيز التعاون العسكري، ما سيؤثر على دحر الإرهاب منطقة الشرق الأوسط وفى القارة الإفريقية. ويبقى التأكيد على حسن النوايا من الجانب الروسي والساعى نحو تقديم المساعدات لأفريقيا وشطب ديون بقيمة 23 مليار دولار ، وهو امر يبدو جيداً لإقرار حسن النوايا وتعميق الثقة المتبادلة ،والتى سوف تزداد يقيناً إذا اقدم الجانب الروسي على التاثير على الجانب الصيني للتفاعل معه وإسقاط الديون الصينية أو جزء منها، والتى تعانى منها القارة الأفريقية بالفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى