آراء حرة

دكتور جمال زهران يكتب.. أكاديمية ناصر العسكرية

 

يعتبر أحد أهم أهداف ثورة 23 يوليو 1952م، رغم أنه جاء في الترتيب السادس والأخير، هو تأسيس جيش وطني قوي، باعتبار أن الجيش هو الدرع الحامي للأهداف الخمسة السابقة عليه، والحامي لأمن المجتمع، وصيانة حدود الدولة والدفاع عنها. ومن ثم فمن يعتبر أن تأسيس الجيش الوطني المصري، شيئ هامشي، فقد وقع في المحظور، لأن الحركة الثورية في يوليو 1952م، كانت تسير بالتوازي في تنفيذ الأهداف الستة معًا، لأن كل هدف كان بداية وحصاد، في نفس الوقت.

وقد كانت معركة 1956م، في أعقاب قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس، في 26 يوليو 1956م، حيث أعلنت القوتان الكبريتان في العالم (بريطانيا – فرنسا)، وبالتعاون مع ربيبتهما وصنيعتهما (إسرائيل)، الحرب على مصر، فيما سمي بـ “العدوان الثلاثي” على بورسعيد، للسيطرة على المنطقة، وإعادة احتلال قناة السويس، وإفشال قرار عبد الناصر باستعادة قناة السويس للشعب المصري، هي التي فرضت ضرورة الإسراع باستكمال تأسيس الجيش الوطني المصري. بعبارة أخرى، فقد كان العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956م، بعد تأميم قناة السويس واستعادتها للشعب المصري، صاحب الحق الأصيل في أملاكه، أحد أهم الدوافع لاستكمال بناء الجيش المصري القوي.

ولم تكن المعارك التي خاضتها الثورة بزعامة جمال عبد الناصر بين 52 – 1956م، إلا حلقات على طريق بناء الجيش، ولنتذكر صفقة الأسلحة التشكيكية، برعاية سوفيتية، عام 1955م، التي كانت بداية تغيير تسليح الجيش المصري في صيغته القديمة، من التوجه الغربي، إلى التوجه الشرقي، حيث لم يبخل الاتحاد السوفيتي في الإسهام المباشر في تكوين الجيش المصري، تسليحًا وتدريبًا وإعدادًا، والدراسة في أكاديمياته العسكرية في موسكو. فقد ثبتت العقيدة العسكرية لدى قادة الثورة، أن استعادة الحق الشعبي للمصريين، يستلزم وجود “قوة وقدرة” عسكرية ذاتية، فلا حق بدون قوة.

في هذا السياق، فقد ركزت الثورة على إعداد جيش مصري قوي، وحقيقي، وبرؤية شاملة، حتى أصبح لهذا الجيش هوية وطنية عربية، وهو الداعم لسياسات الثورة التحررية في الإقليم، بل وفي العالم الثالث، ومن هنا فإن العالم أصبح يعمل حسابًا لهذا الجيش وقوته وقدراته.

وقد أنشأ النظام الثوري في مصر بزعامة جمال عبد الناصر، المؤسسات التعليمية العسكرية، بل والمؤسسات التدريبية، وبتعاون ودعم مع الاتحاد السوفيتي، وتلك هي الحقيقة، في نقلة نوعية نحو الشرق بدلاً من الغرب. وكان في مقدمة هذه المؤسسات التعليمية، إنشاء أكاديمية ناصر العسكرية، الذي تأسست بقرار جمهوري في 18 يناير 1965م، وافتتحها جمال عبد الناصر في 6 مارس 1965م، وبدأت الدراسة في كلية الحرب للدورة الأولى في 13 مارس 1965م، وعقدت الدورة الأولى في كلية الدفاع الوطني في 18 سبتمبر 1966م، وبسبب ظروف حرب الاستنزاف (1967-1970م)، بعد نكسة 1967م، توقفت الدورات الكاملة في الأكاديمية، وعادت بعد ذلك، لاستكمال دورها الطليعي في التكوين العلمي العسكري والشامل، لأبناء القوات المسلحة في مصر وفي كل الدول العربية والأفريقية على وجه الخصوص، ولاتزال تؤدي رسالتها، والتي امتدت إلى المدنيين.

كما أن مكان هذه الأكاديمية في حي الدقي. محافظة الجيزة، هي ذات مكانها الذي تأسست فيه، وأصبح المكان والاسم، مجتمعين، يمثلان هوية الأكاديمية وهوية الجيش المصري الوطني العروبي.

وقد فوجئنا، بمشروع قانون مقدم من الحكومة، بلا سبب أو معنى، إلى مجلس النواب، لتغيير اسم الأكاديمية من: أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا، إلى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، وبموجبه يتم حذف “ناصر”!! وقد نوقش في لجنة الدفاع والأمن القومي، على عجل، ونوقش في تحت القبة بين مؤيد ومعارض – علمًا بأن رئيس اللجنة (لواء عسكري!!)، وظل يدافع عن المشروع، وكأنه صاحبه، وليس مقدمًا من الحكومة!! وتمت الموافقة بالأغلبية وسط معارضة شديدة، على خلفية أنه اعتداء على الهوية وانتهاكًا للتاريخ!!، وتم تمرير المشروع في المناقشة من حيث المبدأ، ثم تم إقرار المادة الوحيدة، في مشروع القانون!! وبعد انكشاف الأمر، وتزايدت صيحات الغضب الجماهيري على صفحات التواصل، وتبنيت حملة شعبية، لإلغاء ما تم في مجلس النواب، وطالبت رئيس الجمهورية بعدم التوقيع على القانون، وإعادته إلى المجلس مرة أخرى، وإزاء ذلك كله، لدرجة رفض عسكريين كبار ممن خدموا في الأكاديمية وأعرفهم، لما تم من خطوات، وجدنا أن رئيس مجلس النواب، أجل الموافقة النهائية على مشروع القانون إلى أجل غير مسمى. وانتهت الدورة الثالثة، لتعود في أكتوبر القادم. وطبقًا للتقاليد والسوابق البرلمانية، ونصوص اللائحة، فإن هذا القانون قد سقط، ولا يجوز مناقشته إلا في مجلس تشريعي قادم!!، ولذلك، فإنني أكتب ذلك، مناشدًا السيد الرئيس، بمواخذة الحكومة على طرح هذا المشروع من جانبها، فهو إسقاط للهوية، وتدميرًا للسمعة الوطنية لهذا الصرح الأكاديمي، مصريًا وعربيًا وأفريقيًا. فماذا يقول عنا: من يرفعون اسم عبد الناصر على جامعات وأكاديميات وميادين في العالم الثالث وأفريقيا خاصة؟!

وهل نسينا أن الجيش المصري الحالي كله مرتبط باسم ثورة 23 يوليو واسم عبد الناصر، فلماذا هذا النكران وانعكاساته على أجيال مصر القادمة؟! وأذكر بأن هناك أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وأكاديمية مبارك للشرطة؟! فهل ستمحى أسماؤهم أيضًا؟!

د. جمال زهـران

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى