آراء حرة

دكتور أحمد الشربيني يكتب.. أنواع السُّراق

 

جبت الأصقاع والآفاق وعرفت الصادق والأَفَّاق فخبرت السُّراق على صنوف وأخلاق فخذهابلا مَنٍ أو اختلاق:

(١)فثمة سراق المال وتراهم على صنوف وأحوال منهم من يسرق البيضة والدجاجة تدفعه الفاقة والحاجة ومنهم من يسرق الناقة بماحملت والسفينة بما أقلت ؛ قال الأصمعي كنت أقرأ: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا

جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))

وكان بجانبي أعرابي فقال: كلام مَن هذا ؟؟فقلت: كلام الله قال: أعِد

فأعدت؛ فقال: ليس هذا كلام الله

فانتبهتُ فقرأت: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ

فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً

مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))

فقال: أصبت فقلت: أتقرأ القرآن ؟؟

قال: لاقلت: فمن أين علمت ؟؟

فقال: يا هذا، عزَّ فحكم فقطع،

ولو غفر ورحم لما قطع…فالسُراق أمام الله سواء في العقوبة والقضاء. 

(٢) وثمة سارق العلم والفكر ربيب الخسة والفُجر يغير على أسفار العلماء وتراث القدماء ومتون الفقهاء وقريض الشعراء ومداد الأدباء لا يستحي أن يسرق سطرًا أو فصلاً مُسبطرا… وهذا السارق اللعين المغير على نتاج المبدعين ملعون إلى يوم الدين وموقوف بين يدي رب العالمين. 

(٣)وثمة سارق النظرة بريد الشهوة النخرة يرسل السهام القذرة بأجفان وقحة شذرة لكل ناهد طروب وكاعب لعوب لا يعنيه قريب أو جار أو تردعه جنة أو نار لأن نفسه أشربت روح الفُجار فله ما كسب من الأوزار وعاقبة الدار والعار…ومن عافاه الله من ذاك الداء الوبيل واستعد للرحيل فتركها مخافة العظيم الجليل كان من النفوس الطاهرة ورزقه الله الرحمةوالمغفرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)) .

( أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت)  

  وقوله صلى الله عليه وسلم:((مامن مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره، إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه)) . رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: ينظر إلى امرأة أول رمقة أي بغير قصد، فيصرف بصره عنها.

-وقوله صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفَّت عن محارم الله) ،رواه الطبراني ورواته ثقات. 

(٤) وثمة سارق القلوب والخواطر وبهلوان العواطف الماهر يسامر العذارى ويسابق السكارى بلسانه المعسول وحبه المسلول وما أن يوقع بالضحية حتى يجعلها كالأضحية المنسية.. فيفرق منها كالسهم ويتركها للضياع والوهم… قناعه وراء الفيس والماسجات وبريق التعليقات الحالمات…شعاره الإيقاع بالنساء دهاء والعبث بوجدانهن بهاء فأكرم بذات الدل الحسناء وذات الخطل والغباء فهما في الشراك سواء فالغواني يغرهن الثناء!! فيالخسران سارق الرغبات الفاسقة ويالهوان المسروقة العاشقة ولله در الشاعر:

سأترك ماءكم من غير وردٍ

وذلك لكثرة الوراد فيه

إذا سقط الذبابُ على طعامٍ

**رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجنبت الأسود ورود ماء

**إذا كانت الكلاب ولغن فيه!!! 

وذاك السارق الأبلةعاقر الكأس والحفلة نتاج التعلق بالدنيا وطريد الخسةوالغفلة وسمته السقيم وقلبه الرجيم عقابه أليم من لدن العدل العظيم  

(٥) وثمة سارق الفرصة اللعين يقنص الكحل من العين يغتال أحلام الطامحين ويتخطى رقاب المبدعين والمجتهدين… يسرق الجميع بسمته الوضيع…يسرق الرتب والنياشين… يُشيطن الصادقين ويتاجر بتاريخ الآخرين… ينسب لنفسه الانجازات وخالد الانتصارات.. يصول ويجول بلسانه المعسول وتملقه المرزول… تراه على صهوة الوساطة والمحسوبية بحركاته الثعبانية اللولبية وصولاته البهلوانية وأخلاقه الثعلبية… قناعه دموع الأحداق ودرعه الرياءوالنفاق وسيفه التدليس والاختلاق… له في كل إثم راية فلايقصر في وشاية ولا يسكت عن إفك ودعاية فالمنصب هو المُرتجى و الغاية..وكم تسبب هؤلاء الانتهازيون في ضياع المبدعين وطمس سيرةالمكافحين والمجاهدين وانتحار الفائقين العَالمِين فلا تعجب إذا رأيت العبقري النبيل يلقى بأحلامه وسط النيل!!

ولله در القائل:

 هذا الزمان لئامُ الناس تعلوهُ

 **غرٌّ خليعٌ و دجّالٌ و معتوهُ

فيه المنافقُ محبوبٌ و معتبَرٌ

 **و قائلُ الحقِّ بين الناس مكروه!! 

(٦) وثمة سارق الفرحة النضيرة سلاحه الحسد والغيرة

فم يسبح ويد تذبح، طماع أَشِر حقده مستعر؛يتمنى زوال النعمة عن الآخرين ولا يغبط أهل الحق المبين قال تعالي:(( إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ)) ( التوبة ٥٠) 

(٧) وثمة سارق الروح والوجدان وحادي الغفلة والنسيان وتلك آفة الغربة والترحال والبعد عن الأهل والعيال ولله در شوقي حين قال :

اختلاف النهار والليل ينسي

…. والعهد في الليالي تقسى!!!!  

(٨)وثمة سارق التاريخ والآثار ينقب في الأجداث والديار تحت طود أو جدار يلهث وراء التمثال والتابوت من لدن مينا إلى توت…لاتعنيه حضارةالأمة بل القصر والرزمة.. يبيع تراث الجدود خلف البحار والحدود ولايفرق بين كسود وأنود.. تراه يغشى المزادات ويهادن المافيا والعصابات يُقامر بالمسلات ويتاجر بالأيقونات… قبلته الزئبق الأحمر ومعبده المعدن الأصفر!!! لا يكف عن الطعن والقتال والتهريب والاحتيال كصاحب ((جبل الحلال)) 

(٩) وثمة سارق الوطن يتاجر به عبر الزمن؛ يبيع أحلامه، ويحطم أعلامه، ويرفع أقزامه، ينهب الثروات باسم المشروعات ويقيم الحفلات باسم المؤتمرات..يفرط في مقابر أثرية وجزائر بحرية ومناجم ذهبية ورمال فيروزية.. يستبدل السيارةالجرمانية بالشعاب المرجانية يسرق الماء و الزيتون ويبيع الوثائق والمتون، يرعى المراقص والمجون باسم الإبداع والفنون والجيل المفتون!!! عدوه العلماء والأتقياء وبطانته أهل السوء والخناء وقاعدته جموع الجهلاء والغوغاء وسلاحه أبواق الإفك والخواءوشعاره المكر والدهاء، إذا تكلم أقنع وإذا سكت أدمع وإذا وعد أشجى وأمتع وإذا غضب أبان عن خلق أبشع وأوضع!!!يسرق عواطف النساء والدهماء بمعسول خطبه العصماء… تراه في كل عصر تحت القبة والقصر…في كل قريةٍ أو مَصر…يغشى القرى و الحارات ويرتاد المجالس والانتخابات ويجوس المحافل والمؤتمرات

بطلته الهابطة ونظارته الساقطة تطالعه على كل صوان ويافطة!!! 

(١٠) وثمة سارق الوقت والعمر وناقوس الضياع والخُسر حيث التسويف والأمل والرجاء بطول الأجل بلاخوف من الموت ولا وجل.. فيسرق منك التسبيح والذكر ويعطيك النهم والفكر… ويسلبك التقوى والخشوع ويعطيك الدعة والخضوع..يسلبك الدعاء والتدبر والعظة والتفكر ليرديك مهاوي العصيان ووهدات النسيان ودركات الشيطان… وهذا شر السُّراق على الإطلاق فكن منه على حذر فقاصمته لا تبقى ولاتذر… قيل لإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام:عظنا بما ينفعنا. قال:إذا رأيتم الناس مشغولين بأمر الدنيا، فاشتغلوا أنتم بأمر الآخرة، وإذا انشغلوا بتزيين ظواهرههم فاشتغلوا أنتم بتزيين بواطنكم، وإذا انشغلوا بعمارة البساتين والقصور فاشتغلوا أنتم بعمارة القبور، وإذا اشتغلوا بعيوب الناس، فاشتغلوا أنتم بعيوب أنفسكم، وإذا اشتغل الناس بخدمة المخلوقين فاشتغلوا أنتم بخدمة الخالق رب الخلائق!!

فتيقظ ياهذا قبل أن ينادي المادي على الرائح والغادي.. تذكر خشبة الغسل عندما ينادي عليك ملك الموت:يابن آدم أين صوتك الشجي ما أسكتك؟ وأين ريحك الطيب ما غيرك؟ وأين مالك الذي كنت تملك ما أفقرك؟ تركت الدنيا أم الدنيا تركتك؟ استعدت للموت أم المنية عاجلتك؟… سعتها ينكشف اللثام وتصحو من غفلتهم النوام فقد حشر الهوام والأنام… وأدركوا حجم سرقة أعمارهم ووبال تسويفهم و تقصيرهم؛ قال تعالى:

((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ* وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ….))

صدق الله العظيم.

دكتور/أحمد محمد الشربيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى