آراء حرة

دكتورة هالــة يسري تكتب..البريكس من منظور إجتماعي

 

دكتورة هالــة يســرى

أســـتاذ علم الإجتمــاع مركز بحوث الصحـراء

 

   فى شهر يونيوعام 2012 وأثناء مشاركتى فى مؤتمر قمة الأرض فى العاصمة البرازيلية ريودي جانيرو RIO+20 راودنى هاجس حول سيطرة القطب الواحد على مقدرات العالم، والدخول إلى نفق مظلم من اللايقين، والتحكم التعسفى غير المبرر فى مقدرات الشعوب، ولعب دور القاضى والجلاد فى آن واحد، والقيام بدور المخطط والمقيم، والآمر الناهى، مما جعلنى أكاد أفقد الأمل فى ظهور حالة من توازن القوى السياسية العالمية تسمح للشعوب بأن تحيا وترتقى، وتتمتع بمواردها، وتعيش عيشة الأحرار إقتصاديا وسياسيا.   وأثناء هذا الصراع الداخلى المتنامى، وجدت ضالتى فى البروفيسيرة الألمانية كريستين Christine Von Weizsacker، سيدة على أعلى درجة من العلم والخلق والأمانة، وبعد سؤالى عن متى سينتهى هذا الاجتياح الاقتصادى السياسى الثقافى دون رادع، ومن الذى سيحجم هذه الطاغية، وهنا جاءت لتزف لى خبر وجود تجمع سياسى إقتصادى يحد من هيمنة القطب الواحد، ويوسع من مشاركة دول أخرى للتخفيف من حدة وشدة تآثيرات الهيمنة والسيطرة والتحكم فى دول العالم ومواردها وشعوبها ومقدراتها، ألا وهو تجمع البريكس BRICS والذى يضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. كانت سعادتى عظيمة، وآمالى كبيرة وطموحاتى فى هذا التجمع للخلاص من التقييد والتكبيل، هذا ولم أكن يوما أحلم بأن بلدى الحبيبة ستكون أحد أعضاء هذا الكيان المنقذ.  ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع عن كثب تطور هذا الكيان، إلى أن أستطاعت مصر بمجهوداتها الديبلوماسية الخارقة، وقدراتها وإمكاناتها السياسية والإقتصادية المتميزة الوصول إلى هذا التجمع الهام والضرورى فى هذه المرحلة الدقيقة من حياة الوطن، وإطلاق جمهوريتنا الجديدة، فقد إنتهى عصر الفرديات وبدء عصر التكتلات الأقتصادية القائمة على أسس ومبادىء العدالة والمساواة والشراكات الحقيقية بما لا يضيع حقوق البلاد والشعوب.   لم يتجه أعضاء تجمع البريكس الأوائل فى إنشاء هذا التجمع إلا بعد أن ضاقوا زراعا بمفاهيم العولمة المضللة، التى تأتى على بعض الثقافات القومية وتخضع الثقافات الأثنية والتقليدية لعمليات مزج ثقافى مقصود وموجه، بغرض محو الثقافات الأصلية، وتبنى آراء وأفكار تمكنها ليس فقط من الوصول إلى التأثير فى السياسات الإقتصادية والسياسية بدرجات عميقة، ولكن التأثير على فكر وعقل وممارسات المواطن فى العالم أجمع، فيصبح لقمة سائغة يسهل السيطرة عليه ويسهل توجيهه وقيادته، وذلك تعزيزا لظهور ثقافة واحدة داعمة للتبعية ومحفزة لهيمنة القطب الواحد. ونرى الآن حركات التحرر الأقتصادى وكسر التبعية الغربية متمثلة فى دولتى النيجر والجابون اللاتى نفضتا العباءة والتبعية الأقتصادية الفرنسية عن جسد الوطن، ليتمتع أبناء البلاد بمواردها وخيراتها التى كان يتم نهبها وترك السكان الأصليين دون أدنى فرص للتقدم والتطوير. لن تكون الأرض ممهدة لإلتقاء أطراف تجمع البريكس، ولا تجمعهم على قرار واحد، ولكن المتوقع أن يكون هناك تحديات داخلية مرتبطة بقوة وتأثير وتأثر كل بلد على حدى، وتحديات خارجية مرتبطة بعرقلة تفعيل كافة البنود وخاصة المرتبطة بعملة البريكس المنتظرة فى مقابل الدولار واليورو. لذا تظهر ضرورة وجود الأرضية الاجتماعية والثقافية للألتقاء متعدد الأوجه التى قد تساعد فى تخطى الصعاب، وتذويب الفروقات ومعالجة المشكلات قبل ظهورها. والدولة المصرية دولة متوازنه سياسيا، لها علاقات ديبلوماسية مع معظم دول العالم، ومعظم التكتلات السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية على أساس الإحترام المتبادل، وتبادل المنفعة بندية مطلقة، تحترم حقوق الدول والشعوب فى تقرير مصالحها.   تم تناول تجمع البريكس فى معظم التحليلات والتقارير السابقة من كافة الجوانب الإقتصادية والسياسية، ولكنى أرى أبعادا إجتماعية وثقافية هامة يجدر تناولها على هذا النحو: 

أولا: نحتاج إلى بناء جيل جديد على مستوى العالم لديه من الأمل ما يساعده على التقدم والرقى والتطوير بدلا من حالة التقويض والسيطرة على مصادر التكنولوجيا والصناعات الدقيقة، نحتاج إلى جيل يكسر الحاجز الزجاجى ويصل إلى العالمية، ويشارك فى صناعة القرار الدولى وخاصة فى الدول ذات الأقتصاديات الناشئة. 

ثانيا: نحتاج إلى الحفاظ على الثقافات الاقليمية والوطنية والتقليدية خاصة المرتبطة بالأنظمة والأنشطة الأقتصادية، والترويج لها من خلال علاقات إجتماعية وثقافية ثنائية ومتعددة الأطراف بين دول أعضاء تجمع البريكس، مما يخلق حالة من التعايش السلمى والسلام الإجتماعى الإقليمى والعالمى.

ثالثا: يجب تدارس إنعكاسات الإنضمام لتجمع البريكس على جودة الحياة وتأثير هذا على خفض معدلات الفقر، وكذلك خطط تقليص معدلات البطالة فى الدول الأعضاء، ومعالجة المشكلات الوطنية فى أطارمنظومة العرض والطلب سواء على المنتجات والسلع والخدمات بما فى ذلك سوق العمل.  نثق تمام الثقة فى القدرة المصرية على إجتياز الصعوبات، ونثق فى قدرتنا فى الإستفادة من عضوية مصر فى تجمع البريكس إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا لما فيه خير البلاد والعباد.

 

   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى