آراء حرة

الأستاذ الدكتور حماد عبد الله حماد يقدم..قراءة في صفحات تاريخ الفن فى مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في صفحات تاريخ الفن فى مصر

كان وما يزال الفن له وظائف متعددة ، فالفن هو مرأة حضارة الأمم ، ويمثل الفن سواء كان ” فن جميل ” أو ” فن تطبيقى ” قدرة الأمم على الإبتكار والإبداع والإحساس بالجمال ، وينعكس ذلك على تصرفات البشر وأيضاً لا يمكن أن يكون هناك ” فن جميل” دون أن يكون هناك مناخ طيب ، يسمح بالإبداع ولعل فى العصور القديمة والتى إندثر منها التاريخ ، يعود العلماء المؤرخين إلى أحداث هذه الأزمنة من خلال دراسة وفحص لفنون هذه الحقبات الزمنية ، فنحن نطلق على زمن الفراعنة بأنه كان من أعظم الأزمنة ، طبقاً لما تم دراسته علي جدران المعابد المصرية ، وما تم كشفه عن طريق عالم الحملة الفرنسية (شامبليون) حينما فسر حجر ” رشيد” اللغة الهيروغليفية ، وإرتباطها باليونانية القديمة ، فإستطعنا أن نعلم شيئاً عن تاريخنا القديم ، وأيضاً ” الفن الجميل والتطبيقى ” الذى تركته هذه الحضارة العظيمة حيث التماثيل والمعابد ، والأنية ، والإكسسوارات ، والحلى، والصياغة ، والمنسوجات والكليم والسجاد ، وهذه الألوان البديعة على جدران المعابد التى لم تختفى مع الزمن مما يدل على تقدم شديد فى علوم الكيمياء التى إستخدمها الأقدمين من الفراعنة فى تركيب هذه الخلطات من الألوان.

كما أن الطب والتشريح أيضاً كان له دور فى حفظ الأجسام (المومياوات) كما هى اليوم وإيضاً شيىء رائع ذلك الفن المعمارى و الزخرفى الذى علمنا منه عظمة هذه الحضارة.

كما أن ” الفن التطبيقى ” الذى تمثل فيه الأنية المختلفة الأشكال والأحجام والألوان التى تركتها تلك الحضارة فنجد مثلاً فى المتحف المصرى فى أحد الفتارين العارضة للأوانى عشرات الأنواع من الأكواب والكئوس ، هذه للمياه وأخرى للمشروبات الكحولية أو العصائر أو القهوة ، وكذلك تلك الأنية الحافظة للزيوت والدهون ( الزبدة ) والبقول والسكر والشاى !!هذا معناه أن هذه الحضارة كانت حضارة أغنياء وليست حضاره تتسم بالفقر حيث نجد أن الفقراء فى عصرنا أو فى أى عصر يمتلكون بالأكثر عدد نوعين من الأكواب أحدهم للماء والأخر هو نفسه لإستخدامات أخرى.

أما إذا تعددت فى أحد المنازل أنواع وأشكال الأكواب فهذا يدل على ثراء هذا المنزل وأصحابه ، على سبيل المثال وليس الحصر وبالتالى فإن الأنية والكراسى والوسائد والأسرة (والدواليب) وأيضاً أدوات المنزل والإستخدامات الشخصية (كالأحذية) أو(الشباشب) أو ا(الأحزمة) أو (تيجان الرؤوس) أو (الملابس الكتانية الدقيقة الصنع ) وأيضاً (الحلى والصياغة) كل تلك ” الفنون التطبيقية ” أيضاً تدل على الثراء الشديد لهذه الحضارة .

ولعل العمارة فى الفنون القديمة ، أيضا هى الدالة على عمق تلك الحضارات وعلى ثراء أصحابها وعلى أخلاقهم وممارساتهم الحياتية ، فلا شك بأن الإغريق والرومان بعد الفراعنة قد إتسمت حضارتهم بالغناء الشديد وإمتد الفن حتى العصور الوسطى حينما ظهرت أعمال “مايكل أنجلو” فى سقف كنيسة ” سان بيترو ” ” السيستين” وظهرت أعمال “رافائيلى” ، و ” ليوناردو دافنشى ” فى الفاتيكان ، كل هذه كانت وظائف أخلاقية ، ودينية وأيضاً دالة على ثراء هذه الحقبات الزمنية فالفن يا سادة هو المعبر عن المرحلة 

الفن هو المرأة التى نرى فيها صورة مجتمعنا ! والفن أشكال وألوان منه الرسم والنحت ، والعمارة والأشغال اليدوية والتصوير حالياً والسينما والمسرح والموسيقى والطرب .

وكانت مصر المحروسة هى قلعة المنتجات الحرفية من نسيج وكليم وسجاد وحصير وزجاج معشق بالرصاص وفخار وخزف ، حديد مشغول (فورفورجيه) ونحت متنوع الخامات من خشب ، وجص ، وطين ورخام وجرانيت وتعدت الحرف الشعبية المصرية من صناعات خيام وجلود وعطور والأوانى النحاسية وغيرهم وهى بالمناسبة أهم التخصصات العلمية التى أنشئت عليها مدرسة الفنون التطبيقية السلطانية عام 1839 وتحولت اليوم إلى كلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان .

ولعل أحياء بالكامل قد إستمدت إسمها من نشاطها الحرفى مثل ” الخيامية واليكنية وسوق السلاح والفحامين والمغربلين والداودية وتحت الربع وخان الخليلى ” تلك المنطقة الشعبية (القاهرة القديمة) شارع المعز لدين الله الفاطمى هذا الشارع العظيم الذى يبدأ من تقاطعه مع شارع محمد على (القلعة) وحتى تقاطعه مع شارع الأزهر وشارع الموسكى وينتهى فى الجمالية وبين القصرين وقصر الشوق تلك الأسماء الخالدة فى الذاكرة الثقافية المصرية بعد أن سطر فيها كاتبنا الكبير المرحوم نجيب محفوظ ثلاثيته العظيمة وأخرجها لنا فى منتصف الخمسينيات وتعرض للحرف الشعبية المصرية!!

كان إهتمام وزارة الثقافة منذ عهد الدكتور /ثروت عكاشة بالفنون والحرف الشعبية فأنشئت لها المعاهد والمتاحف وضمت إلى أكاديمية الفنون التابعة للوزارة –إلا أن إندثار وإنحدار شديدين أصابا هذه المؤسسات إصابة بالغة.

فموقع متحف الفنون الشعبية كان فى عمارة بميدان التوفيقية وما زال !!(مريضاَ متهالكاَ )

ومعهد الفنون الشعبية مازال غير ذى أهمية أو حيثية قابع فى مبنى الأكاديمية بشارع الهرم وتناوب على إدارة هذه المؤسسات الوطنية بعض أساتذة الأدب الشعبى العظام مثل المرحوم الدكتور/عبد الحميد يونس – وأخرهم المرحوم الدكتور/أحمد على مرسى وربما أخرون لا نعلم عنهم شيىء ألان –إلا أن تدهور تلك المؤسسات بعد جهد عظيم للرواد الأوائل ومنهم البعض آلان ممن أنهو خدماتهم فى هذا المجال مثل السيدة سونيا ولى الدين والمرحومة السيدة عواطف سلطان والسيدة وداد حامد (المصورة التى سجلت بعدساتها كل التراث فى مسقط رأسه) وغيرهن من فضليات الأساتذة فى الفن البيئى والحرفى المصرى هؤلاء السيدات إستطعن جمع عناصر الحرف الشعبية من طول البلاد وعرضها وغيرهن قمن بتسجيل الأناشيد الشعبية وكذلك الموسيقى الشعبية مثل الدكتور /محمد عمران وبعضهن إستحققن درجات الماجستير والدكتوراه فى الأدب الشعبى والحرف الشعبية المصرية والموسيقى الشعبية أيضاً – وكانت تلك الحرف الشعبية المتحفية تمثل سفيراً محترماً لمصر – فى بلاد العالم الداعية لإقامة معارض فى عواصمها لتلك الحرف البيئية مصحوبة بالموسيقى الشعبية القديمة ولعل أكاديمية مصر فى روما كانت الأكثر حظاً لإستقبال مثل هذه المعارض الوطنية ولكن اليوم ونحن بصدد البحث عن مصادر محلية لتطوير وسائل إقتصادنا فى ظل أزمة عالمية غير معلوم مدى إستمرارها وما هى الفرص المتاحة لنا فى مصر لكى ننافس بعناصر إقتصادية جديدة لا مجال لمنافستنا فيها أحد على الأقل من المنطقة أو الإقليم .

وعادة ما يتساءل البعض عن الفرق بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية ويأتي التساؤل حينما يكون هناك حاجة للتفضيل بين فن وأخر ، خاصة بين طلاب الثانوية العامة حينما يجدون أنفسهم بمجاميع محددة تحصر رغباتهم بين كليتين عريقتين في جامعة حلوان هما كلية الفنون التطبيقية ويعود تاريخ إنشائها إلي عام 1835 تحت أسم الفنون السلطانية ، والفنون الجميلة والتي يعود تاريخ إنشائها إلي عام 1908 تحت أسم مدرسة الفنون الجميلة العليا ، وقد قادت تلك الكليتين حركة الحياة الفنية المصرية المعاصرة وكذلك حركة الصناعة المصرية المعاصرة أيضاً ، وهنا الفرق قد ظهر في التعريف حيث الفنون الجميلة بأقسامها الشهيرة النحت والتصوير وضمت إليها الجرافيك والعمارة !! كانت الغالب الأعم “الفن من أجل الفن “والجمال ، والإحساس بجودة الحياة ، ولعل دخول قسم العمارة في الفنون الجميلة كأحد أبرز الأقسام العلمية وهي تنتمى أساساً للفن وليس للهندسة ، حيث من العمارة يمكن قرائة وتسجيل تاريخ الأمم والحضارات فالعمارة والنحت تدل علي عصور الازدهار وعصور الأنحدار أيضاً، مع ذلك فأن كلية الفنون الجميلة قد أبدع روادها وطلابها وخريجيها وأثروا الحياة المصرية بملايين الأعمال – وألاف من الأسماء المضيئة في حضارة مصر المعاصرة والفنون التطبيقية التي أنتمى إليها طالباً وأستاذاً وعميداً سابقاً وأيضاً وكيلاً للدراسات العليا ورئيساً أيضاً لأحد أهم أقسامها العلمية سابقاً ، هذه الفرعية الثانية للفن في مصر ، والتي سبقت زميلاتها من المراكز والمعاهد والكليات العليا في ظهورها للحياة بين أرجاء الوطن فكانت مهمتها الأولي علي يد عميدها الأول “جيمس ستيورات “، ثم العميد الثاني “جون إدني” ، منذ 1839 وحتي بدايات القرن التاسع عشر ،استطاعت هذه الكلية أن تؤدي دورها للمجتمع فهي تختص بكل مايحيط بالأنسان من أشياء وما يلتصق به من مكونات بداية بالملابس مروراً بإستخداماته سواء معادن ( شوك وسكاكين ) أو حمامات ( سيراميك) أو شبابيك وأبواب وأسره ودواليب (مكونات التصميم الداخلي)، وكذلك مفروشات الأرضيات والستائر والحوائط ، ولعل الأقسام العلمية التي وصلت بها الدراسة إلي قمة التكنولوجيا في الفنون التطيقية تترجم المعنى بأن الفن التطبيقي هو كل شيء يحيط بالأنسان حتى التصميمات الصناعية وشكل الآلات والسيارات والأدوات التي يستخدمها الإنسان هي من فكر وأبداع الفنان التطبيقي في التصميمات الصناعية حتى ( الحلي والصياغة ) وهي صناعة ضخمة لها أقدم الأقسام العلمية في الكلية ، والتصوير الميكانيكي والمختص بالطباعه والنشر والبحوث الجنائية 

( الفيش والتشبيه ) وكذلك تصوير السينماء والتلفزيون وأشهر الخريجين يعملون في كل أرجاء الفضائيات من هذه المدارس العلمية بالفنون التطبيقية هنا أرى بأن الفنون الجميلة والتطبيقية هما “نجمتي” جامعة حلوان !!    

 

أ.د/حماد عبد الله حماد 

عميد كلية الفنون التطبيقية الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى