أمجد المصري

أمجد المصري يكتب.. رمانة الميزان

 

    فى الحياة هناك دائما تلك المساحه الوسيطه بين كل نقيضين، بين اليمين واليسار، بين الفقر والغني، بين التأييد المُطلق والمعارضة الغير واعيه، بين التزيد والتسيب، بين الأصالة والحداثه، ولكن حين غُيبَت تلك المنطقه عن واقعنا المعاصر سقطنا جميعًا في فخ التعصب بدرجات متفاوته .

حين غابت او تآكلت الطبقه الوسطى إنفصل الناس كما ينفصل الزيت عن الماء، فلا يمتزجان، كانت تلك الطبقه الوسطيه إقتصاديًا وإجتماعيًا وفكريًا هى رمانة الميزان بين طرفي المعادله، كانت الضامن الوحيد للتقريب بين وجهات النظر، والوصول الى مساحه مشتركه تتسع للجميع ، حين تلاشت تلك الطبقه بفعل سنوات التأرجح الأخيرة تحول المجتمع إلى طبقتين فقط على طرفي معادلة الحياه، فلا يلتقيان ولا يتفقان . 

    أن لا تكون معي فأنت ضدى، أهلي وزمالك، ساحل ومسحول، وطني وخائن، هكذا أصبحت معادلات حياتنا على كل المستويات، لا وجود للطبقة الوسطي التى تربط بين أجزاء المجتمع، أختفي صوت العقل والهدوء وزاد الصراخ، كل طرف يرى أنه يمتلك الصواب وحده وأن الآخر لا يفهم شيئًا، غابت الوسطية حتي فى الشكل العام للناس وملابسهم وطريقة كلامهم، بين لغة عربية يتحدث بها القله، وبين لغه (فرانكو) مستغرِبه، وأندثرت أو كادت تندثر تلك العاميه الراقية التى كانت سائده بين المصريين من قبل . 

فى الفن والفكر والثقافه ستجد هذا الأثر قويًا، فإما أن تكون فى حاضنة (بيكا) وأشباهه أو تظل متمسكًا بما كان موجودًا قبل عشرات السنين لا وجود للرابط الذى يقرب المسافه، ويمزج الحديث بالقديم، فيستفيد بإمكانيات العصر، ويقدم إبداعًا يحترم عقل الناس وقيم المجتمع فى ذات التوقيت، جيل يُخاطب نفسه فوق المنصات والغرف المغلقه، وجيل شاب لا يعنيه ما يقولون وإنما يعيش وفق هواه دون جذور ، لا وجود لجيل الوسط الذى كان قادرًا على تضييق فجوة الأجيال المزمنه . 

حين أصبحنا على أطراف المعادله، زاد الصراخ والتعصب بل والشجار الذى يصل أحيانآ إلى أقصي درجات التكفير والتخوين وقطع الأرحام وخسارة الأصدقاء، فقط لأننا أهملنا تلك المساحه التى كان يمكن أن نلتقى جميعًا فوقها، هناك فى براح المنتصف الآمن الذى قد يتسع لكل الأفكار والمستويات دون تمييز .

دعوه للهدوء والبعد عن الأطراف والعوده لمنطقة الدفء بين الناس حتي يسود المجتمع درجه من التراحم والتكافل والتقارب الفكرى القائم على التنوع دون تعصب أو إحتداد، قربوا بين الأجيال والأفكار والإتجاهات ففى النهايه كلنا مصريين، وكلنا مسئولين عن هذا الوطن، ليس كل من يصفق (مُخلص)، ولا كل من ينتقد (خائن)، ليس كل جديد (صالح) ولا كل قديم (طالح) . 

نحن نسقط بأرادتنا فى دوامة العنصرية والتعصب دون سبب وسننسى يومًا كيف كنا قبل سنوات مضت، وكيف حملت تلك الطبقه التوسطه راية الإبداع والفكر والتنوير وربطت بين جنبات المجتمع وطبقاته المختلفه، كيف كنا اسوياء ولكننا اليوم تُهنا .. حفظ الله بلادنا الطيبه من التمييز والتشتت والفرقه . حفظ الله الوطن الأبي الغالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى