توب ستوري

سميا دكالي تكتب.. غدا سيكون أفضل (قصة قصيرة)

 






#غدا_سيكون_أفضل


جلست على مقعد خشبي في فناء قاعة كبيرة حيث أقيم فرح ابنتها الكبرى، تدرك أنها سترحل عنها بعيدا وهي التي كانت تؤنسها كصديقة تحكي لها عن كل أحزانها وتسر لها بأسرارها. لم تنس أنها هي أول وأجمل فرحة لها حين أنجبتها لتشعرها بتلك الأمومة التي تحمل كل مشاعر الحنان والحب، نعم لقد كانت أسعد لحظة عاشتها وهي ترضعها من لبنها الأول حولتها إلى شعلة إحساس بلا حدود لمست فيها معنى كلمة أم. أحست بغصة في حلقها فابتلعت ريقها، بعد أن ارتشفت جرعة من الماء لتهدأ من قلقها وحتى لا تلفت نظر الحضور إليها فيلاحظون توترها وارتباكها.


رجعت بذاكرتها للوراء بتلك الطفلة ذات الوجه الجميل والبشوش حيث الابتسامة لم تفارق يوما وجهها الملائكي، وكأنها تقول لها لتبتسمي فالغد سيكون أفضل أمي. كيف لها أن تنسى كم لعبت على سريرها وهي تشاكس أختها الصغرى؟ كلما تذكرت ذلك شعرت بقواها تضعف أمام زمن لن يعيد لها ما قد مضى، بل مر في خفاء دون توقف وكأنه طيف أو شبح آخذا معه أيامها وسنينا ليحذفها من عمرها.


لقد مرت كل تلك الأعوام دون أن تشعر بها، ما زالت المسكينة لم تتقبل فكرة أن ابنتها لم تعد طفلة تلك التي كانت ترتدي الصدرية والقميص، ونتيجة الامتحان تلوح بها بيدها وهي تجري نحوها لتفرحها وتخبرها أنها حصلت على مرتبة جيدة، كيف لها أن تنسى كم كانت تقلق عليها وهي تجتاز معها كل مرحلة من مراحل دراستها وكأنها هي من ستمتحن.


الآن أدركت أنها كبرت بعد أن رأتها وهي تتأبط بذراع من أخذها من حضنها، كما علمت أن احتياجات كل شخص في الحياة لدى الآخر تتوقف عند مرحلة ليكملها غيره والأيام. أكيد مهمتها الآن انتهت لتبدأ مسيرة ابنتها فقريبا سيودعها باقي أبنائها، ولن تبقى لها سوى الذكريات وزوجها الذي ستقاسمه الدواء والشجار أحيانا.


نهضت من مكانها بعد أن تنهدت تنهيدة عميقة، لتكمل وداعها وقد رسمت ابتسامة على وجهها تخفي وراءها آلامها الممتزجة بالفرحة، بعد أن رأت ابتسامة ابنتها وهي ترسلها لها وكأنها تقول لها لن أنساك أبدا، وتذكري أن غدا سيكون أفضل.


كاتبة مغربية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى