آراء حرة

محسن قلادة يكتب.. لا تقتلوا .. غولوم

 

 

 

قد يبدو الأسم غريباً بعض الشئ ، ولكنه لن يكون غريباً على الإطلاق بالنسبة لمشاهدى وعشاق سلسلة أفلام ” ملك الخواتم ” ، فالمدعو ” غولوم ” هو أحد أشهر شخصيات هذه السلسلة ، وحتى تستطيع متابعة هذه المقالة فحاول أولا مشاهدة هذه السلسلة ، وخصوصاً الجزء الثالث ” عودة الملك ” حتى تترسخ فى ذهنك الصورة الكاملة عن من هو ” غولوم ” ، وكيف كان وكيف أصبح ، وما السبب الجوهرى والأساسى الذى حوله من هوبيت ” نوع من الأقزام ” ظريف لطيف وطيب يدعى ” سميجول ” ، إلى ذلك المخلوق البشع المشوه والقبيح الملامح المزعج فى تصرفاته وسلوكياته التى تتنافى مع المعتاد والمتعارف عليه فى حياة البشر العاديين .

فـ ” غولوم ” هو شخص تخجل من صداقته ، وربما لا تتمناها أصلا وهو يسبب الأحراج لكل من يرافقه أو يتواجد بصحبته ، وربما أذا حدث وفرض عليك أن يكون ” غولوم ” فى صحبتك أعتقد أنك ستفعل كل ما هو ممكن ومتاح للتخلص من هذه الصحبة ، وإنكارها بل وربما أذا لم يكن أمامك سوى خيار واحد وهو قتله لقتلته لتتخلص من عار رفقته .

ولكن فى سلسلة أفلام ” ملك الخواتم ” أضطر ” فرودو ” وهو بطل أساسى لهذه السلسلة ، أضطر لمرافقة ” غولوم ” بل تكفل بحمايته فى بعض الأوقات ، وكان رغم عدم اتفاقه معه إلا أنه كان متعاطف جداً معه ، لأنه كان متأكد شديد التأكد أن شخصيته الحقيقية ليست كذلك .

هكذا نحن فكل واحد منا يحيا بداخله غولوم بشكل أو بآخر مهما أدعى أو أنكر حتى أكثر البشر قداسة وتقوى وورع لديهم ” غولوم ” بشكل أو بآخر ، وكل من حاول التخلص من ” غولوم ” بقتله أو إخفاؤه كان مصيره الأنتحار أو الجنون أو الأمراض النفسية شديدة الخطورة ، لأن ” غولوم ” هو الشخص الذى يحيا بلا قيود وبلا ضوابط وبلا التزامات مجتمعية أو أخلاقية فهو شخص غريزى بحت ، وجمعينا نعانى منه فى أفكارنا وتصوراتنا الخاصة عن الأخرين وعن أنفسنا ، وربما ينتاب البعض أو الكثير منا الأن حالة من الأنكار الشديد لوجود ” غولوم ” فى حياتنا لذا دعنى أوضح لك بعض الأمثلة ، والتى ربما تكون دليلا كاشفاً لهذا الوجود .

كم من مرة أمسكنا أنفسنا ونحن نفكر أفكار غير شريفة نحو نساء لا يجوز لنا أن نفكر بهم هكذا ” غولوم ”

كم من مرة أنطلقت داخل عقولنا مجموعة من الطرق والأساليب القاتلة والمميتة لأشخاص أغضبونا مجرد فقط الغضب ” غولوم ”

كم من مرة وجدنا أنفسنا نمتلك قدرة هائلة على الخيال لصناعة أكثر من حبكة درامية متقنة لتبرير حالة من الكذب البين على أشخاص لا نريد لهم معرفة الحقيقة ” غولوم ”

كم من مرة استغرقنا فى أحلام اليقظة ونحن نتلبس أدوار بعض الشخصيات الخارقة لنتمكن من الاستيلاء على ثروات لاتحق لنا ” غولوم ”

كم من مرة أجتمع فى داخلنا هيئة كاملة من المستشارين والقضاة لأصدار أحكام بالدينونة والفناء على أخرين بدافع أفضليتنا وتفوقنا عليهم ” غولوم ”

قد استمر فى هذا السرد لصفحات ، فأذا توقفنا عن أنكار وجود ” غولوم ” فى حياتنا فسوف ندرك ونفهم حجم انتشاره وتأثيره وسندرك مساحة المشكلة التى نحن محصورون فيها ، وربما يظن البعض أنه من المستحيل التخلص من ” غولوم ” ، وحتى فى سلسلة الأفلام هلك ” غولوم ” فى نهاية الأمر .

لكن تبقى القضية الأساسية ما سبب هلاكه ؟؟.

بكل بساطة هلك بسبب ” ملك الخواتم ” ذلك العزيز الغالى النفيس ذلك اللامع الذى أعماه عن كل شئ وكل شخص ، بل عن الحياة ذاتها ، وجعله يعتزل كل شئ ويحيا داخل الكهوف بل داخل أعمق الكهوف بعيدا عن نور الشمس بعيدا عن نسمات الحياة حتى تحول إلى كائن مرعباً جداً .

أذا لا يوجد حل !!! كلا فالحل الحقيقى والمطروح دائماً هو التخلص من ” ملك الخواتم ” .

لا تقتلوا ” غولوم ” بل تخلصوا مما هو متمسك به ويسبيه ويستغرق كيانه ، بكل بساطة إذا كنت تريد أن تعيد ” غولوم ” إلى صورته الأولى الجميلة والتى تحب أن تتباه بها ،ولاتخجل منها وهى صورته عندما كان ” سميجول ” فساعده وتحاور معه وأقنعه بالتخلى عن ماهو بيده ، والمتمسك به بشده ذلك اللامع الفاتن وعندها .

عندها فقط ستتمكن من السير زهواً وفخراً بجوار ” غولوم ” الخاص بك بكل رضا ومصالحة مع ذاتك فغولوم هو أنت وأنت هو غولوم تيقن من ذلك .

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى