آراء حرةسمير فرج

لواء دكتور سمير فرج يكتب.. 30 يونيو.. السياسة الخارجية في الميزان

جمعني حوار مباشر مع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، في الندوة التي انعقدت يوم السادس من أكتوبر 2022، بقاعة المنارة، قلت خلالها لسيادته “بعد 50 عاماً، سيرتبط اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في التاريخ، بأنه مُخلص مصر من حكم جماعة الإخوان”، واستطردت قائلاً، “يا سيادة الرئيس رغم كل إنجازاتكم، سيبقى تخليصكم لمصر من حكم تلك الجماعة، الأبرز في تاريخكم”. لم تكن كلماتي مجرد مدح، وإنما كانت شهادة حق، عنيت كل حرف منها، لعلمي بما كان سيفعله الإخوان، حال استمرارهم في حكم مصر.

 

ولعل أول ما كانت تلك الجماعة ستفعله هو إلغاء جيش مصر، وإنشاء حرساً ثورياً، بديلاً له، والدليل على ذلك زيارة قاسم سليماني، لمصر، مرتين، ولقاءه خيرت الشاطر، لاطلاعه على تفاصيل الخبرة الإيرانية في التخلص من القوات المسلحة، وإنشاء الحرس الثوري الإيراني. وهنا يبادرنا التساؤل عن أهداف إيران، ومثلها أفغانستان، في التخلص من الجيوش، وتكوين الحرس الثوري الإسلامي، وهو ما يجاب عليه، ببساطة، في أن ولاء الجيش يكون للشعب والدولة، كما يقسم عليه الضباط عند تخرجهم من الكليات الحربية، بينما يقسم أفراد الحرس الوطني على الولاء للمرشد، أو آية الله، وليس للوطن.

 

والحمد لله، أن جيش مصر حافظ على قوته، وأبر قسمه، في 30 يونيو 2013، بحماية حدود الوطن، وأمنه، ومقدرات شعبه، واستثماراته في قناة السويس، وحقول الغاز في البحر المتوسط، وصارت القوات البحرية المصرية، في المركز السادس، عالمياً، كأقوى القوات القادرة على تنفيذ مهامها. بل وزاد على ذلك تفوقها في تطوير الصناعات الحربية المصرية، إذ تقوم الترسانة البحرية، اليوم، بتصنيع أحدث الفرقاطات الألمانية، في الإسكندرية. كما حققت القوات المصرية أعلى مستويات التدريب المشترك مع مختلف القوات الأجنبية، التي تطلب تدريباً عسكرياً مشتركاً مع مصر.

 

أما السياسة الخارجية، فكانت في أسوأ حالاتها، عندما تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم، ولعل أبرز الأمثلة كانت تجميد عضوية مصر، في الاتحاد الأفريقي، فإذا بأول زيارة خارجية للرئيس السيسي، بعد 30 يونيو، تكون للمشاركة في القمة الأفريقية، للعمل على استعادة العلاقات مع دول القارة، حتى ترأست مصر الاتحاد الأفريقي في 2019، ومن بعده تولت رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية “الكوميسا”، في 2012، لمدة عامين.

 

وعلى صعيد التوازن مع القوى الكبرى، فبعد ثمان سنوات من اضطراب العلاقات مع الولايات المتحدة، أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، نجح الرئيس السيسي في استعادة العلاقة، وإقامة شراكة استراتيجية متطورة، مع أمريكا، في عهد الرئيس دونالد ترامب، وهو ما استمر البناء عليه في عهد الرئيس جو بايدن، الذي أعلن، مراراً، أن مصر ركيزة الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة بما شهده من نجاحاتها في إيقاف حروب غزة الخامسة والسادسة.

 

كما شهدت العلاقات مع روسيا توازناً ملموساً، سواء في المجال العسكري، بإمداد مصر بالأسلحة المتطورة، أو في المجالات الاقتصادية، حيث قامت روسيا، بعد 30 يونيو، بالتعاقد على إنشاء المفاعل النووي المصري، في الضبعة، كما تعاقدت على إنشاء المنطقة الاستثمارية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتكون أكبر منطقة صناعية روسية خارج أرضيها. وبنفس التوازن السياسي، تطورت العلاقات مع الصين، كثان أكبر القوى الاقتصادية في العالم، من خلال الزيارات المتبادلة بين الرئيسين المصري والصيني.

 

وعلى الصعيد الأوروبي، اتسمت العلاقات مع فرنسا بالتميز، سواء في مجال توريد الأسلحة، أو تأييد مصر في تحدياتها الإقليمية، مثل أزمة غاز المتوسط، وقضية مياه النيل. ومع ألمانيا، سار المستشار شولز على نهج المستشارة ميركل، في الحفاظ على متانة العلاقات الثنائية، التي بدأت بعد 30 يونيو 2013، بالتعاون في إقامة محطات الكهرباء، لتحقق مصر فائضاً في الكهرباء، بعدما شهدته من معاناة خلال حكم جماعة الإخوان، فضلاً عن دعم مصر في شراء الأسلحة والمعدات اللازمة. ولا ننسى نجاح الرئيس السيسي في ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، بعد عشر سنوات من الاختلافات، لتشهد العلاقات الثلاثية تطوراً ملحوظاً، كان أساساً للتعاون الاقتصادي، والحفاظ على الأمن القومي.

 

وإذا ما اتجهنا شرقاً، نحو آسيا، فسنقف أمام التطور الكبير في العلاقات مع الهند، كأحد أهم دول القارة، والتي لم تشهد تطوراً منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، إلا في عهد الرئيس السيسي، بفتح مجالات التعاون المشترك، للاستفادة من الخبرة الهندية في تطوير الصناعات الصغيرة، ولاستفادة الهند من خبرة مصر في مشروع حياة كريمة. وفي نفس القارة سنلمس جهود التعاون المشترك مع اليابان، الذي تدلل عليه المائة مدرسة يابانية في مصر، فضلاً عن تنمية الصادرات المصرية إلى اليابان. وحتى العلاقات مع تركيا، فرغم ما شهدته من توتر، بعد إزاحة الإخوان عن حكم مصر، إلا أن الإدارة التركية أدركت أن خلافاتها مع مصر تصب في غير صالحها، وهو ما دعاها للسعي لإنهاء خلافاتها مع مصر، واستعادة العلاقات الدبلوماسية.

 

وعلى المستوى العربي، أحدثت مصر نهضة سياسية في التقارب مع الدول العربية، ودول الخليج، من خلال سعيها لتحقيق السلام والاستقرار في فلسطين وليبيا والسودان، باعتبارهم امتداداً للأمن القومي المصري. وبهذا يتأكد أن ثورة 30 يونيو المجيدة قد أعادت لمصر توازنها ومكانتها مع كافة القوى العالمية والإقليمية والعربية، وحافظت على أمنها واستقرارها، وهو ما لم يكن ليتحقق في حال استمرت جماعة الإخوان في حكم مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى