آراء حرة

دكتور محمد علي الطوبجي يكتب.الضربة الإيرانية ضربة صورية

هذه ليست مقدمات حرب إيرانية إسرائيلية كما تصورناها وتعاملنا على أساسها من الخوف والقلق والتحذير من عواقبها الوخيمة اقليميا ودوليا.. وإنما هي ضربة إيرانية صورية وفق سيناريو تم الاتفاق عليه مسبقا بين طهران والادارة الأمريكية وفق ما المحت اليه تصريحات بعض كبار المسئولين الأمريكيين منذ ايام من خلال الرسائل المتبادلة بينهما اما مباشرة او من خلال بعض الأطراف الإقليمية الوسيطة وهي ما لم نأخذها وقتها على محمل الجد و اعتبرناها جزءً من الحرب النفسية الدائرة بين الطرفين . وكان مؤداها كما حاولت الإدارة الأمريكية إفهام العالم أن تأخذ الضربة العسكرية الإيرانية المتوقعة شكلا انتقاميا في ظاهره كرد علي ما حدث في دمشق، لكنها في حقيقتها لن تكون اكثر من رد فعل عسكري محدود في مداه ومنضبط للغاية ولينتهي الامر بعدها عند هذا الحد ويتوقف.. وهو ما حدث بالفعل، إذ لم تحدث هذه المظاهرة الضخمة من المسيرات والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز دمارا يذكر سواء في الافراد او في الممتلكات ، بعد ان تمكن الاسرائيليون من اعتراضها واسقاط الكثير منها.. وفق ما تجمع عليه كافة التقارير الدولية.. وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول القدرات الحقيقية لأسلحة الردع الايرانية.. ويبقى الاحتمال الآخر بأن يكونوا قد نزعوا منها رؤوسها الحربية حتى إذا انفجرت لم تخلف أثرا وراءها، وربما يكون في ذلك تفسير للسبب للغارة الايرانية التي لم تحدث تحولا مهما في الموقف الراهن على أي مستوى. وإذا كان هذا هو كل ما في الأمر بعد كل هذه الضجة الاعلامية الدولية الصاخبة التي شغلت العالم كله في الأيام الاخيرة واثارت قلقه وفتحت الباب واسعا امام مختلف التكهنات والتخمينات والمراهنات. ، فإن ما حدث بهذه الصورة غير المتوقعة من حيث كثافتها الملفتة وقلة جدواها يحمل الكثير من الدلالات والأبعاد السياسية والاستراتيجية، فما حدث وان كنا نتصور أنه قد جنب المنطقة الكثير مما لم يكن تحمد عقباه فيما لو ان الضربة العسكرية الايرانية كانت قد تمت بشكل مباشر ومؤثر وموجع.. إلا أن أبرز تلك الدلالات في رأيي هو أن ما حدث قد خذل الكثير من التوقعات حول دور قوة ايران في تصحيح الكثير من الاختلالات الحادة في موازين القوة الإقليمية لصالح فلسطين وشعبها ، وفي الحد من غطرسة القوة الاسرائيلية ، بل ويكاد يكون قد نسفها من اساسها فايران لا تبحث إلا عن أمنها وهذا حقها،لا ينازعها أحد فيه كدولة ذات سيادة وهي الأقدر على التعامل مع ما يفرضه عليها واقعها وظروفها، ، لكن عليها بالمقابل ان تترك غيرها في حاله يبحث عن حلول ذاتية لأزماته وهذا حقه علي نفسه هو الآخر، وهو ما يعني ان هذا المشهد الاقليمي البائس برمته يجب أن يتغير في كافة تفاصيله بعد ان اوصل المنطقة الي هذا المستوي من الفوضي والتخلف والفقر والتبعية والخراب والفشل وأن كل دولة يجب أن تلتفت الي مشكلاتها وازماتها الداخلية وأن تحسن استخدامها لمواردها وطاقاتها وقدراتها الذاتية ، بدلا من تكون مصدرا لازمات ومشكلات غيرها من دول الجوار بتدخلاتها وبتهديداتها السافرة والمبطنة لها من خلال اذرعها ووكلائها وما اكثرهم، وان لعبة الخداع والتهويش بالمليشيات الطائفية المسلحة واستعراضات القوة التي تجري علي قدم وساق طول الوقت وبما لا مثيل له في أي منطقة اخري من العالم يجب ان تتوقف وتنتهي بعد أن اتضحت حقيقتها وفقدت جدواها، وأن التعامل مع المستقبل وتحدياته يجب ان يكون بأنماط جديدة من العلاقات والسلوكيات البناءة..علاقات قوامها التعاون لا الصراع، والتفاهم لا الخلاف ، والتنسيق والتشاور لا التباعد والانقسام. وما نقوله ليس اسرافا في الخيال، وانما هو ممكن إذا ما توافرت الارادة وخلصت النوايا وصحت العزائم والهمم…وهذا هو دور الزعامات والقيادات والنخب الحاكمة، فهذا هو دورها قبل ان يكون دور غيرها.. وإذا كان هذا هو أهم ما كشفت عنه هذه المواجهة العسكرية الاخيرة بين ايران واسرائيل ، فان كل الاهتمامات العربية والدولية يجب أن تتحول من جديد باتجاه غزة التي دفعت وما تزال تدفع ثمنا لم يدفعه شعب آخر في العالم… وهذه هي مشكلتنا الحقيقية التي من اجلها يجب ان تتضافر كل الجهود لإنقاذ شعب عربي يناضل ببسالة اسطورية منقطعة النظير من أجل حريته والدفاع عن هويته الوطنية ويتعرض للابادة الجماعية والتهجير القسري من دياره علي يد عصابة الارهابيين النازيين الجدد التي تحكم في تل أبيب.. وهذه مسئوليتنا كعرب قبل ان تكون مسئولية ايران او حزب الله أو غيرهم.. اعرف ان ما اقوله هو مجرد صرخة في واد، لكن ما علي الرسول الا البلاغ كما يقولون.. ألا هل بلغت ؟. اللهم فاشهد…ليت إيران وحرسها الثوري الذي جعلت منه اسطورة لم يبعثوا بهذا الرد العسكري الهزيل إلى اسرائيل انتقاما منها لتدميرها قنصليتهم في دمشق وثارا لاغتيال بعض اكبر قادتهم العسكريين ممن استهدفهم هذا الهجوم الاسرائيلي، وقبلها تعددت عمليات الاغتيال التي نفذها جهاز الموساد الاسرائيلي وطالت عددا من تبرز قادة هذا الحرس الثوري الإيراني. كان كبار المسئولين الامريكيين يترقبون باهتمام شديد ما سوف يكون عليه رد ايران الانتقامي لتدمير قنصليتها واغتيال قادة حرسها الثوري ، واعلنوا ان حجم وطبيعة هذا الرد هو ما سوف يحدد ما اذا كانت ايران نمر حقيقي ام نمر من ورق،. حتى جاء هجوم إيران امس ليقدم لهم الرد على تساؤلهم على طبق من ذهب.. وهنا أقول أنه لو أن ايران كانت قد امتنعت عن الرد وتركت الأمور معلقة كما اعتادت ان تفعل في كل مرة، ولم تكشف أوراقها. ،لا رجعنا السبب في عدم ردها إلى قدرتها العالية على ضبط النفس وتذرعها بما تصفه بالصبر الاستراتيجي الذي أصبح سمة مميزة لدبلوماسيتها الدولية.، ولقلنا إنها تصرفت بحكمة في موقف بالغ التعقيد والحساسية والخطر.. الا انها ذهبت الي ما ذهبت اليه في مجازفة افقدت بها اسلحتها مصداقيتها كاسلحة للردع وقادرة على ضرب اسرائيل في عمق اراضيها.. بل الأكثر هو انها وضعت هذه الاسلحة التي تم اعتراضها واسقاطها في متناول الخبراء العسكريين الإسرائيليين لتفحصها والتعرف على جوانب الضعف فيها وعلى كيفية تحييدها وتدميرها في أي مواجهات محتملة مقبلة.. وهو ما بعث برسالة تطمين لا تقدر بثمن إليهم،. واعفي أجهزة مخابراتهم من هذا الهم الثقيل.. ولولا ان هذا هو احساسها ، لما كانت قد أجلت ردها على هذا الهجوم الايراني إلى موعد سيتم تحديدها له لاحقا وفقا لما صرح به الوزير في حكومة الحرب ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق بني جانتس، وهو من غلاة الصقور العسكريين الإسرائيليين المتشددين،. فتأجيل الرد يعني أنه لا يوجد خطر عاجل على أمن اسرائيل من اسلحة ايران.. هذه ضربة طائشة في الهواء، تقديرا وتخطيطا وتنفيذا واخراجا. ، وقد أساءت إيران وحرسها الثوري اكثر مما افادت، ونجحت في ان تحشد من جديد دعما سياسيا وعسكريا لإسرائيل في أمريكا والغرب لم تكن تحلم به في خضم حربها علي غزة ، لو لم توجه ايران اليها هذا العدد الكبير من الصواريخ والمسيرات التي لم تصب هدفا ذا اهمية او تقصف منشاة عسكرية او تقتل اسرائيليا واحدا مدنيا كان او عسكريا في طول اسرائيل وعرضها.. وبالرغم من هذا الفشل الذريع تخرج إيران على العالم لتعلن ان ردها الدفاعي قد حقق هدفه.. وأنه إذا عاودت إسرائيل عدوانها علي ايران، فان ايران سوف تزيد وقتها مدى وحجم ردها عليها.. هكذا جاء تعليقها علي ما حدث…متصورة بذلك أن هذا هو ما سوف يجعل اسرائيل تفكر مرتين قبل أن تخاطر بالعدوان عليها مستقبلا.. ويبقى السؤال : هل توازي نتائج هذا الهجوم الايراني على اسرائيل في فداحتها وخسائرها واصدائها الدولية المدوية نتائج هجوم إسرائيل على قنصليتها في دمشق واغتيالها بضربة جوية واحدة هذا العدد من كبار القادة العسكريين الايرانيين ممن نعتهم القيادة السياسية الايرانية وكرمتهم كأبطال قوميين عظام واعلنت الحداد العام عليهم لعدة أيام ؟

دكتور/ محمد علي الطوبجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى