علاء رزق

دكتور علاء رزق يكتب.. ترتيب الأولويات وتنمية القدرات

 

د.علاء رزق 

رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام

وسط تداعيات الصراع الروسي-الأوكراني، والإختناقات المستمرة في سلاسل الإمداد، وتشديد الأوضاع المالية العالمية والتى يقودها الفيدرالي الأمريكي، تشهد مصر إرتفاعاً في التضخم وصل إلى 40%، وتدفقات إلى الخارج من استثمارات المحفظة، مما أضاف إلى الضغوط على حسابات المالية العامة وحسابات المعاملات الخارجية. وبالرغم من زيادة الإيرادات العامة إلى اكثر من 38% والايرادات الضريبية إلى 28% خلال العام المالي الماضي، إلا أن وسائل سد العجز في الموازنة العامة أصبحت محدودة والتي يمكن أن ان تقتصر فقط على زيادة الدين الخارجي في الموازنة، والذي تفاقم بعد الأزمات التي ضربت العالم خلال السنوات الأربع الماضية، هذه الازمات إنعكست على زيادة الديون على مستوى دول العالم الثالث، والتي هي في معظمها ديون مقومة بالدولار الأمريكي ، وفى المقابل فإن ما يبعث على التفاؤل في أننا نتجة نحو التعامل الصحيح مع هذه الأزمات هو إرتفاع الأجور بنسبه 14% وبرامج الحماية الإجتماعية بنسبة 48%، وهي نسب تؤكد توجة الدولة الحقيقي نحو حماية الفئات الأكثر إحتياجا، رغم تأثر النشاط الاقتصادي والدخل الحقيقي سلباً بالأزمات العالمية المتداخلة على المدى القريب.‬ فبينما تستمر بعض القطاعات الرئيسية في الازدهار، لا سيما قطاعات إستخراج الغاز (التي تستفيد من ارتفاع الأسعار العالمية)، فى المقابل يظهر أداء الأنشطة الأخرى، بما في ذلك الصناعات التحويلية، أقل من إمكاناتها.‬ وعلى هذا النحو،تعد الحاجة إلى اعاده ترتيب الاولويات خاصه اولويات الإنفاق العام من بين الإصلاحات الرئيسية لدفع النمو طويل الأجل في مصر، ولذلك، فقد خصصت مصر في موازنتها العام المالي 2023/ 2024 مجموعة من البنود على رأسها بند الصحة والتي خصصت له 397 مليار جنية، والتعليم تم تخصيص 691 مليار جنية، وهو ما يعني جاهزية الوفاء بالاستحقاق الدستوري . وبينما تعمل الحكومة على مجابهة هذه التحديات، فإنها تدرك جيداً طبيعة الآليات والسياسات التي تسهم في تهيئة مناخ أكثر جاذبية للاستثما فى ضؤ قرارات المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس السيسي. كما تدرك أنه رغم التحديات العالمية، فإن مصر تستهدف تحقيق مؤشرات أداء إيجابية للإقتصاد، إذ تخطط الحكومة لتحقيق معدلات نمو للناتج المحلي الإجمالي بواقع 5%، 6% خلال عامي 2024 و2025، وتستهدف تحقيق فائض أولي بمعدل 2.1% خلال العام المالي 2023 – 2024، والصعود بهذه النسبة مستقبلاً إلى 2.5 %، وهذا من شأنه هبوط مستويات الدين العام إلى نحو 78% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2026 – 2027. لذا فإن الواقع الحالى يؤكد أن نمو الإقتصاد المصري يصطدم بأزمات التضخم وخسائر الجنية ،على خلفية أزمات التضخم، وإستمرار إرتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى ،كذلك فإن تقديم الأولويات نحو التنمية البشرية والحماية الإجتماعية على حساب بعض المشروعات القومية هي شيء يحسب للدولة والتى استطاعت ان تبرهن على أن الإنسان هو الأساس الحقيقي للتنمية، لذا فمن المؤكد قدرة الحكومة على تحقيق معدل نمو اقتصادى يقترب من ثلاثة أمثال معدل النمو السكاني، فتحقيق التوازن الإيجابي المستهدف لن يكون إلا عبر الإستثمارات المباشرة وغير المباشرة على المدى الطويل ،واقامة شراكة إستراتيجية مع الدول الإقتصادية الكبرى بما يساهم في ترسيخ مكانة وتأثير مصر على الخريطة العالمية،وإستغلال دعم القيادة السياسية بضرورة الإستثمار في أحدث التقنيات ورسم معالم مستقبل الإقتصاد العالمي من خلال النمو المستدام وخلق قطاعات وفرص جديدة مع المساهمة في خلق فرص لجذب الإستثمارات الدولية الى مصر ، مع دعم وتوطين المحتوى والتقنيات، كل ذلك سيساهم في دعم القدرات المصرية، إستناداً إلى تحقيق معدل نمو بلغ 6.6 % خلال العام المالي 2021 – 2022 على رغم التحديات.لذا نتوقع معدل نمو يتراوح بين 4.8 %، و 5% خلال العام المالي الحالي،مدفوعة بنمو نحو ستة قطاعات إنتاجية وفي السياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والخدمات اللوجستية والتجزئة، ونشاط قناة السويس. وفي هذا السياق، فقد أبدت مؤسسة “فيتش” للتصنيف الائتماني نظرة إيجابية لمستقبل السياحة المصرية في الأجل القصير والمتوسط حتى عام 2026، حيث توقعت أن تصل أعداد السياح الوافدين لمصر نحو 11.6 مليون سائح خلال العام الجاري 2023، بزيادة تبلغ 46 %عن العام الماضي، الذي سجل توافد نحو 7.9 مليون سائح. مع توقع أن يشهد عام 2024 توافد 13.1 مليون سائح، بينما يصل عددهم في 2025 لنحو 13.5 مليون، ثم 14 مليون وافد في 2026.وفي السياق ذاته فقد تم التأكيد على أهمية الإستثمار الأجنبي المباشر، بإعتباره أولوية قصوى للحكومة، وارتفاعة لأكثر من 90 % خلال العام المالي الماضي، مع توقعات بأن عام 2023 وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، ستكون مصر من بين الدول التي تتمتع بأقوى زخم استثماري في المنطقة. مع استهداف مضاعفة دور القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65% على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز القدرة التنافسية للإقتصاد على المدى الطويل، ويمثل هذا الجانب الرئيس لبرنامج الإصلاحات الهيكلية باستهداف القطاع الحقيقي وتطوير دور القطاع الخاص في الاقتصاد، نظراً لأن البرنامج يعالج الأسباب الجذرية للإختلالات في القطاع الحقيقي، من خلال خلق فرص عمل لائقة، وتنويع أنماط الإنتاج وتطويرها، وتحسين مناخ الأعمال، وتوطين التصنيع، وتعزيز القدرة التنافسية للصادرات المصرية،

فالاقتصاد المصري لديه الإمكانات والقدرات التي يستطيع من خلالها المرور من اى أزمة بأقل الخسائر الممكنة، نظراً لأن السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الدولة في المرحلة الحالية، والتي تسعى من خلالها إلى إحداث التوازن النسبي بين الضغوطات الاقتصادية ،في ضوء معدلات التضخم المرتفعة وتأثيراتها، وفي ظل ندرة العملة الاجنبية وسعي الحكومة المصرية لتوفير السيولة اللازمة . لذا فقد جاء الحوار الوطني الذي تشهده مصر حالياً، والذي يأتي المحور الاقتصادي على رأس المحاور به، لا سيما فيما يتعلق بأولويات الاستثمار وكيفية جذب استثمارات جديدة (محلية وأجنبية) وماهية السياسات التي تطبقها الدولة ولتحقيق الهدف من وثيقة ملكية الدولة فيما يخص زيادة معدلات الاستثمار المباشر، ومشكلة التضخم وكيفية التعامل معها، وغيرها من الملفات المطروحة.هذا الحوار الوطني جاء بمجموعة من التوصيات المرتبطة بمواجهة تلك الأزمة وتداعياتها، من بينها: ضرورة فض التشابكات المالية بين الوزارات، والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى تريليون جنيه (وهو ضعف العجز الكلي).

كذلك دراسة الأثر التطبيقي لقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الهادف لدمج الاقتصاد غير الرسمي، وبما يسهم في زيادة الإيرادات الضريبية.

مع مراجعة موقف الهيئات الاقتصادية (59 هيئة)، حيث تحصل تلك الهيئات على دعم من الخزانة العامة للدولة بقيمة 355 مليار جنيه، وتؤول منها إلى خزانة الدولة 185 مليار جنيه تقريباً (وفق الموازنة الأخيرة)، وبالتالي من الضروري معرفة أسباب خسائر تلك الهيئات سواء أسباب تمويلية أو فنية أو أسباب مرتبطة بنظم الإدارة والهياكل التنظيمية؟.

مع عدم إغفال تطوير منظومة الضرائب، من خلال تعيين كفاءات جديدة لإجراء حصر دقيق بالأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، وبما يساعد على اتخاذ سياسات تدعم ضم الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي.

مع ضرورة إلتزام الحكومة بوضع استراتيجية مرنة لإحتواء الصدمات الداخلية والخارجية، وتبنى الحكومة لاستراتيجية تمويل متنوعة (تستهدف تعدد الأسواق وأدوات التمويل وجذب شرائح مختلفة من المستثمرين).

ومساعدة الحكومة على تعميق الإصلاحات الهيكلية لإطلاق مسار نمو مرتفع ومستدام للقطاع الخاص. مع استهداف تعظيم مساهمة القطاع في النشاط الاقتصادي (من خلال تبني مجموعة من المبادرات التيسيرية والمحفزات).وهو ما عزز إطلاق الدولة “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، والتي من شأنها فتح آفاق رحبة للاستثمارات الخاصة فى مصر، فضلاً عن برنامج “الطروحات الحكومية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى