صلاح سلام

دكتور صلاح سلام يكتب..صحبة وأنا معهم

بالأمس كنا في احتفال صغير بعيد ميلاد شخصية تاريخية عاشت أزمانا شاهدة على العصر منذ عهد فاروق حيث كان ضابطا صغيرا إلى عهد عبد الناصر حيث كان مصدر ثقته فاتخذه مديرا لمكتبه بعد اختباره في تأسيس جهاز المخابرات العامة ومهام أخرى ثم ممثلا شخصيا له في القارة الأفريقية حيث شارك كل حركات التحرر الوطني كفاحهم في الجزائر وجنوب أفريقيا والسنغال وزامبيا وغيرها فأصبح صديقا لنيكروما وكينث كاوندا وليبود سينجور ولومومبا ومانديلا وهيلاسيلاسي واضيفت له مهام القارة الاسيوية أيضا ثم تم اختياره وزيرا للارشاد القومي وهو مازال شابا وظل كذلك إلى أن رحل الزعيم عبد الناصر ..واستمر مع الرئيس السادات قليلا ولكنه تم اعتقاله في أحداث ١٥ مايو ١٩٧١ هو ومعظم الوزراء حيث تم التخلص من كل رجال عبد الناصر وخرج بعض المنافقين واسموها ثورة مايو وغيرهم نعتها بانقلاب وهو ماظل الاستاذ محمد فايق يستنكره بقوله اننا فقط قدمنا استقالتنا فهل يعقل ان يكون نواب الرئيس ووزير الحربية ووزير الإعلام في انقلاب فيفشل فاحدهم يملك قوة السلاح والآخر يملك قوة الكلمة وباصرار ظل يقاوم توارد هذه التسمية في كل المحررات…نحن فقط لم نتفق مع توجه الرئيس وسياسته في ذلك الوقت ففضلنا الانسحاب…ولكن رد الفعل كان عنيفا لدرجة انه تم الحكم على بعضهم بالإعدام وتم تخفيفه فيما بعد إلى المؤبد وكما يحكي في مذكراته ان النيابة لم تدنهم مطلقا الا ان السادات قد ندب المدعي الاشتراكي ليعيد التحقيق وتقديمهم للمحاكمة الاستثنائية تلك المذكرات التي صدرت اخيرا وقد أهداني منها نسخة قبيل احتفالنا بعيد ميلاده الرابع والتسعين أمد الله في عمره فقد قضينا معه ثماني سنوات كرئيس للمجلس القومي لحقوق الانسان بعد ثورة ٣٠ يونيو لم يوجه لنا يوما لوم على تصريح او تعليمات في زيارة ما…. وقد حرص ان يصطحبني معه إلى جنيف عدة مرات كوني امثل منطقة حساسة من الوطن”سيناء”كانت محط أنظار العالم بسبب الموجة الإرهابية وان اكون متحدثا في بعض الندوات على هامش انعقاد المجلس الدولي لحقوق الانسان…ومن فرط أدبه وتواضعه يكتب الاهداء”الى الأخ العزيز وذكريات نضالية في زمالة المجلس القومي لحقوق الانسان..مع اعزازي و تقديري” تلك المذكرات التي اطلق عليها عنوان”مسيرة تحرر” والتي يتذكر فيها دقائق الامور في رحلاته المكوكية ومراحل ومحطات في حياته ومسيرة الوطن….. و قد اضطر يوما ان يطير بطيران خاص هو والطيار فقط في وسط ادغال أفريقيا وينفذ الوقود ويلجأ إلى الهبوط الاضطراري في مكان مجهول وينتظر بجوار الطائرة إلى أن يأتي الطيار ببعض الوقود بعد ساعات طويلة ليعاود الطيران مرة أخرى ثم الهبوط في احد مطارات أفريقيا دون اخطار حيث أن جهاز الطائرة معطل وفي ذلك خطر جسيم ولكن هو ستر الله..وربما هذه الرواية واخريات لم ترد في المذكرات ولكنه حكاها لنا لانه يعتبر بعض المغامرات قد توحي بصنع البطولة وهو يرفض ان يكون كذلك…أما قصة الاعتقال والعفو الذي صدر في نصف المدة بعد أن قضى ٥ سنوات وبعدما استدعاه المأمور ولبس بدلته استعدادا للخروج وطلب منه على سبيل الروتين كتابة استعطافا للرئيس السادات كاجراء لاتمام العفو ولكنه رفض رغم المحاولات المستميتة لاقناعه لانه سوف يعود لمحبسه اذا لم يفعل.. ولكنه أصر ودفع الثمن خمسة سنوات أخرى وعندما سألته لماذا هذا الاصرار؟..قال اولا انا لم أخطئ لاعتذر وكنت أمام خيارين اما ان اخسر نفسي تحت وطأة الظروف والخروج من أجل أولادي اللذين تركتهم اطفالا او أن احافظ على كرامتي وتاريخي وأخرج مرفوع الرأس واخترت الاخير ..ودفعت الثمن..وقبل أن أعرف هذه الرواية منه او أقرأها في مذكراته ..قد حكاها لي د.يحى الجمل نائب رئيس الوزراء رحمه الله في لقاء جمعني به بالصدفة في الاوبرا على مدار ساعة كاملة فقد كنا مدعوان لحضور احتفال بثلاثين عاما على انشاء المنظمة العربية لحقوق الانسان والتي اسسها القديس الاستاذ محمد فايق بعد خروجه من السجن وقد حضرنا بالخطأ قبل الموعد بساعة فشاءت الاقدار بهذا اللقاء الممتع الذي لا انساه…وقال لي كنت اقترحت ان اكتب انا الاستعطاف بدلا منه ولكن الاستاذ احمد كمال ابو المجد قد منعني من ذلك وقال لي بالنص ان محمد فايق سوف يبغضك ماحييت اذا فعلت ذلك….وهكذا لم يرفع الرجل الراية البيضاء كما وصفت د.نيفين مسعد ونحن في الاحتفال بالامس حيث تطرق الحديث إلى الفيلا التي يعيش فيها منذ الستينات حيث رفض كل الإغراءات لتركها ليبنى مكانها برج كما فعل الآخرون في الشارع المطل على حديقة الميرلاند حيث عرضت عليه الملايين والانتقال إلى فيلا اكبر في المساحة في التجمع الخامس ولكنه لم يرفع الراية البيضاء..وذلك اسقاطا على رواية اسامة أنور عكاشة وفيلا السفير ابو الغار في الإسكندرية والجدير بالذكر انه بالرغم من كل ماحدث انني لم اسمعه يوما ينطق ببنت كلمة قدحا في الرئيس السادات وهذه شيم العظماء….ودارت الايام واستشهد الرئيس السادات والذي له ماله وعليه ماعليه ككل البشر…ولكنه في المجمل كان بطل الحرب والسلام… واستمرت السيرة والمسيرة حيث أصبح الرجل امينا مساعدا للأمين العام للأمم المتحدة وخاض جولات في أماكن الصراع في العالم مدافعا عن حقوق الانسان إلى أن تم اول تشكيل لمجلس حقوق الانسان في مصر برئاسة الراحل د.بطرس غالي فاوكل اليه مكتب الشكاوى ثم أصبح نائب لرئيس المجلس ثم رئيسا من ٢٠١٣ حتى أكتوبر ٢٠٢١ حيث كان لي شرف العضوية معه ولأنها أيام لاتنسى فقد استمر الود وليجتمع المخلصين والمحبين لنحتفي ونحتفل بعيد ميلاده محبةواحتراما وتقديرا..فهؤلاء العظماء صعب ان يكررهم التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى