صلاح سلام

دكتور صلاح سلام يكتب.. طيري ياطيارة

لم اركب الطيارة صغيرا وكانت أول مرة في رحلة إلى هولندا في أجازة الصيف وأنا في كلية الطب…وكل ما أعرفه عن الطائرات ذلك المخزون الجمعي عن ٥ يونيو وتحليق الطيران فوق سماء العريش في ١٩٦٧ وألسنة الدخان التي شهدناها تأتي من شرق العريش حيث مطارها الحربي انذاك مع صوت احمد سعيد الجهوري الثوري والذي كان ينطلق من ميكروفون الهيئة العامة للاستعلامات والتي كان مبناها بجوار منزلنا في شارع ٢٣ يوليو بالعريش…حيث الأغاني الوطنية والبيانات العسكرية والتي كانت بعيدة كل البعد عما نشاهده ونعيشه…. وانقضت أيام الحرب بكل مافيها من مرارة وعدنا نلهو ونلعب في اوقات الصيف في الإجازات حيث كنت اختلس سويعات لارافق أبناء جيلي ..فلم يكن مسموحا لي بأن اضيع الاجازة في اللهو …فقد تعلمت التجارة صغيرا واقوم بتوفير مصروفات المدرسة من خلال عملي في اجازة الصيف وكانت كلها أعمال” حرة” ولا احب ان اعمل تحت إمرة احد….وكانت فسحة البطين”كثيب رملي ” يحيط المدينة من اكثر من جانب ونخرج عصرا كل منا يحمل طائرته …فقد كنا نعرف ان الطيران الاسرائيلي هو الذي حسم المعركة وان طائرتنا قد تم دكها وهي رابضة على الأرض…فنخرج نحن طليعة صبية زمن الحرب لنطلق في سماء العريش طائراتنا الورقية والتي تأخذ وقتا طويلا في التجهيز حيث يتم عمل طبق سداسي او ثماني من الخشب الخفيف لاقفاص الفاكهة والخضار والمصنع من جريد النخيل ويتم تركيب انواع من الورق الشفاف بالوانه الزاهية لتشغل هذا الشكل السداسي مع وضع دعامات في الوسط لتقوي جسم الطائرة وكل منا يبذل قصارى جهده في تصنيع طائرته “النفاثة” بحيث تكون خفيفة وقوية قي نفس الوقت مع الحفاظ على الشكل الجمالي ثم يضفر زيل يتراوح طوله من متر ونصف إلى مترين من الورق المشرشر لحفظ توازن الطائرة…ثم تأتي مرحلة شلة الخيط..ونوعها وقوتها وطولها …فكانت المباراة من يعلو عن الاخر وليس هذا فحسب ولكن قوة صمود الطائرة في الجو وخاصة في حالة الحرب…ولكننا كنا نحاكي الواقع الذي عشناه…فكنا نضع على أطراف الطائرة امواس الشفرة ..فعندما تندلع المعركة بعد إطلاق الطائرات على أبعاد متفاوتة وتبدأ المناورات وكل قائد يقود طائرته من الأرض ولكنه يستطيع أن يجعلها تحدث هبوطا تكتيكيا او صعودا مع عمل كتف قانوني بالاسلحة لأحد الطائرات فتحدث تمزق في أوراقها ثم يعود إليها ثانية فيضربها من أعلى فيسقطها وهكذا يظل الكر والفر من بعد العصر مباشرة إلى الغروب حيث تعود بعض الطائرات المنتصرة أما ماتم تدميره وتمزيقه فيذهب ادراج الرياح…هكذا كانت السيدة فيروز تغني لنا..طيري ياطيارة طيري ياورق وخيطان بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران…وينساني الزمان على سطح الجيران… ولانه لم يكن دائما مسموحا وميسورا أن نقوم بهذه المغامرة من فوق الكثبان الرملية كنا احيانا نديرها من فوق اسطح البيوت وقد تدور المعركة بنفس الوطيس برغم محدودية الحركة على السطح…ان طفولة أبناء الحرب تختلف عن أي طفولة والمحن تدعو إلى النضوج المبكر …فعندما أنهينا الدراسة الثانوية ونحن تحت الاحتلال الاسرائيلي وحضرنا إلى القاهرة عن طريق الصليب الأحمر الدولي كان اقراننا في نفس السن لهم اهتمامات مختلفة وثقافة مختلفة فنحن نتابع اخبار الحرب ومحادثات السلام واخبار لندن وصوت امريكا وهم لايتابعون الا ماتشات الكرة بل انهم قد لايعرفون الانتقال إلى أحياء القاهرة التي لم يعيشوا فيها فمن يسكن شبرا ربما لم يصل مصر الجديدة أما أبناء المهندسين والعجوز لايعرفون شيئا عن شبرا…فلم يكن غريبا علينا انهم لايعرفون موقع سيناء الجغرافي وماذا يحدث هناك…وان كانت صدمتي كبيرة في أن الأساتذة في الكليات وبعض قيادات الجامعة أيضا ليس لديهم معلومات عن سيناء لا جغرافيا ولاتاريخيا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى