آراء حرةسمير المصري

دكتور سمير المصري يكتب.. لسان طويل على ذراع قصير 

لسان طويل على ذراع قصير 

#صباح_مصري ،،،،، 

 

    

قد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته .

 فقد سمع أعرابي رجلا يقع في الناس فقال : ” قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس ؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها ”.

والانشغال بعيوب الناس يجرنا إلى الغيبة ، ولابد وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوىء أقلها تفكك الروابط بين الناس فإذا إذا ذكرت الغيبة ارتفعت الأخوة .

والذي يعيب غيره ربما يكن له هدف شخصي من خلال تسفيه غيره وإبراز عيوبهم ، أنه يريد ألا يبدو في الصورة غيره فهو المؤمن التقي النقي الصادق الأمين المعصوم الذي لا يخطأ ، العفيف الشريف الكبير …..

وكثيراً ما يكون هذا نابعاً من الرضى عن النفس والإعجاب بها، بل والكبر والغرور والعياذ بالله . 

التركيز على العيوب في أي مجتمع هو قتل لأي إيجابية ، ووأد لأي عمل فيه خير أو منفعة ، لأن كل من يقترب من هذه النقطة يجد لسانا حادا يسلقه بالسب والطعن والخوض في عرضه ، وهذا يجعل الناس دائما بعيدين عن هذه الأمور فأنا لا أريد أن يخوض الناس في عرضي بألسنتهم أو أسب وأهان !!!

فهذا يكون للأسف الشديد مثبط لكل خير .

 أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ، فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه ، وربما تكلموا فيه بالباطل ، وفي هذا المعنى يقول الشافعي رحمه الله…..

إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى , ودينك موفور وعرضك صيّن

لسانك لا تذكر به عورة امرئ , فكلّـك عورات وللناس ألسـن

وعينك إن أبدت إليك معايباً , فدعها وقل يا عين للناس أعينُ

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى , وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ

فكما أن لي لسان يطال الناس فللناس ألسـن ، وكما أن لي عين لا ترى إلا عيوب الناس فللناس أعينُ.

 هناك من يسمون بأصحاب المثالية الحالمة، وهؤلاء يريدون أن يبدأ العمل كاملاً، عملاقًا، ولا يمرُّ بمراحل النمو ولا يتعرض لأمراض البيئة ، وآفات الحياة ، ومتاعب الطريق الطويل، وهؤلاء “لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب”، 

فهم لا يعملون ولا يدعون غيرهم يعمل ، كل ما لديهم لسان طويل على ذراع قصير ، وبراعة النقد ، وإخفاق العمل ، وهمة الهدم ، وقعود عن البناء.

لو أننا ركزنا في معاملاتنا المختلفة مع من حولنا ، لوركزنا على محاسنهم وفضائلهم وإيجابياتهم وما يحسنون … لرأينا عجبا والله !!!

أبدأ بهم قل لهم أجمل ما فيكم كذا وكذا …. انا أحب فيكم كذا وكذا …

فنحن مثلا نتعامل مع القادر باختلاف علي انه إنسان ضعيف له منا الإحسان والشفقة ويحيا حياة اخري ، وينظر إليه الناس نظرة مختلفة ، ويعيش في زاوية أخرى يدفعون به إلى التعليم الأزهري ليحفظ القرآن ويتخرج شيخا وانتهى الأمر !!!

لكن ماذا فعل الغرب مع القادرون باختلاف ؟  

لقد عاملهم على أنهم بشر لهم منا حق الاحترام لشخصه وآدميته وسنوا القوانين والتشريعات التي تخدم هذه الشريحة من المجتمع ، حتى رأينا فيهم مبدعين في مجالات شتى منهم على سبيل المثال .. والان نحن نسير علي هذا الدرب بعد أن عرفنا الطريق … خلال الفترة السابقة. 

العالم البريطاني المعروف “ستيفن هاو كنج” الحائز على أعلى منصب أكاديمي في مجال الرياضيات، وهو كرسي الرياضيات الذي كان يشغله العالم الشهير نيوتن ، فقد كان مقعدا ويسير على كرسي متحرك ومع ذلك أطلق العنان لإرادته، وتغلب على كل الصعوبات التي واجهته ليحقق ما يريد.

أما الأعجوبة “هيلين كيلر” الأمريكية، فقد كانت مصابة بالعمى والصمم والبكم منذ صغرها ، ورغم هذا تعلمت الكتابة والنطق ثم تعلمت اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ودخلت الجامعة وتخرجت ثم تفرغت للكتابة والتأليف.

وقد رأينا في البطولات الرياضية العالمية كيف انتصر ذوي القدرات الخاصة ، وحققوا ما عجز عن تحقيقه الكثير من الأصحاء بعد ما رفعوا علم بلادهم في المحافل الدولية أمام أعين ومسامع العالم ،

 وهذا يعني أن النجاح والتفوق والوصول إلى منصات التتويج لا يفرق بين إنسان معاق وغير معاق وأن الإنجازات لا تتحقق إلا بالإصرار ، والتحدي ، والعزيمة.

 انظر كيف رسم الفنان صورة الملك الأعرج الأعور ؟

 أن ملكا كان أعرجا ولا يرى إلا بعين واحدة …. ، وفي أحد الأيام دعا هذا الملك الرسامين ليرسموا له صورته الشخصية بشرط ألا تظهر عيوبه في هذه الصورة !

فرفض كل الفنانين رسم هذه الصورة ! فكيف سيرسمون الملك بعينين وهو لا يملك سوى عين واحدة ؟ 

وكيف يصورونه بقدمين سليمتين وهو أعرج ؟

ووسط هذا الرفض الجماعي تقدم أحد الفنانين وقبل رسم الصورة ،وبالفعل رسم صورة جميلة وفي غايــة الروعة .

كيف ؟

تصور أن الملك ممسكاً ببندقية الصيد ” بالطبع كان يغمض إحدى عينيه ” ويحني قدمه العرجاء إلى الأمام، وهكذا رسم صورة الملك بلا عيوب وبكل بساطة!!!

يذكر أن أحد المدربين في إحدى الدورات التدريبية قام بتوزيع بالونات على كل متدرب..ثم طلب من كل واحد نفخ البالون الخاص به وربطها بقدمه.

وفعلاً قام كل شخص بنفخ وربط البالونة .

جمع المدرب الجميع في ساحة دائرية ومحدودة ، وقال لدي مجموعة من الجوائز وسأبدأ من الآن بحساب دقيقة واحدة فقط ، وبعد دقيقة سيأخذ كل شخص مازال محتفظ ببالونته جائزة .

بدأ الوقت وهجم الجميع على بعضهم البعض ؛ كل منهم يريد تفجير بالونة الآخر حتى انتهى الوقت ، فقط شخص واحد مازال محتفظ ببالونته..

وقف المدرب بينهم مستغرباً..وقال لم أطلب من أحد تفجير بالونة الآخر

ولو أن كل شخص وقف بدون اتخاذ قرار سلبي ضد الآخر

لنال الجميع الجوائز ، ولكن التفكير السلبي يطغى على الجميع!!!

الخلاصة 

ليتنا نحاول أن نرسم صورة جيدة عن الآخرين مهما كانت عيوبهم واضحة ..وعندما ننقل هذه الصورة للناس نستر الأخطاء ..فلا يوجد شخص خال من العيوب !

 

لا تفترض في نفسك دائما أنك على صواب ، كن جميلا ترى الوجود جميلا ، انزع النظارة السوداء من على عينك ، وانظر إلى الناس بشفافية ووضوح ، فلن تنجح ابدا بالعدوان علي الآخرين ،،،،

كثير منا من يفكر بالنجاح على حساب اﻵخرين ، بإمكان الجميع النجاح…

ولكن للأسف دائماً نتجه نحو تدمير الآخر ، وهدمه لكي نحقق النجاح .

 

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى