إبداعات أدبية

دكتور / العشماوي عبدالكريم يكتب....الصلاة الأولي

صغر سنه الذي لا يعدو الخامسة من عمره لم يمنعه ان يجرب كل شئ بمفرده حتي كان قراره اذي اتخذه حيث كان صباح جديد مفعم بالحيوية والنشاط صباح نثر سيطرته علي الجميع في جو ربيعي لا يتكرر كثيرا في هذه الاماكن ، نظر الطفل لامه وهي تضع (حلة ) قديمة كبيرة الحجم غطي السواد كل خوارجها وألتوت أجزاء كثيرة من فمها المتسع علي الموقد الناري المصنوع من الطوب اللبن في شكل مستطيل يرتفع مدماكين لأعلي لابسا جلبابا طينيا علي هذا الطوب وقد تفحم هذا الجلباب من نيران شديدة لا ترحم، تقوم الام لتحضر العديد من جريد النخل ومن بقايا أخري هي أشد في الطاقةوهي (الكرنيف) هذا الجزء السفلي الذي يتبقي معلقا يأمه بعد أن تزال جريد النخيل بتقليمها ويبقي حاضنا امه يموت بين أحضانها في موت بطئ ليزال بعد عام او اكثر بعد أن يكون قد جف قلبه ولم يعد يتصل بأمه بذلك الحبل السري الواهب له الحياة ، كثيرا ما كان يشكو الصغير منه عند تسلقه النخلة الصغيرة في حوش المنزل من أن هذا (الكرنيف)قاسي علي القدمين فهو الحصن الأخير قبل أن ينال الصغير ثمار النخلة ورغم قسوته لم تمنع الصغير من المضي قدما في نيل مناله من ثمار النخلة الجميلة ،والأن تضع الأم هذا(الكرنيف) اسفل (حلة) المياه الكبري لتزداد النيران اسفلها وتغلي المياه بها مخرجة ابخرتها ، تحضر الام (الطشت) النحاسي الذي احضره لها زوجها في جهازها من البندر ثم تضع في ارضية معتدلة بجوار (الكانون) تلصق به (الجردل) الكبير الوحيد في المنزل تحضره من بين اخوته الثلاثة الاصغر منه سنا وبكوب الومنيوم له قاعدة صغيرة تتسع كلما اتجهت فيه لاعلي تمسك بيده التي تصلبت شرايين اتصالها بالكوب الذي يصرخ وهو يملئ بطنه بالماء المغلي ليصب في (الجردل) الكبير حتي ليحس انه فقد الاحساس بالالم من شدته ولا تسعفه سوي مياه باردة ترتمي في جوفه من فم طلمبة حبشية كسر جزء من فكها الايسر فما ان يمتلئ جوفه حتي يستنطق المياه في (الجردل) الكبير الذي ثبت في مكانه من لسعات الماء المغلي بداخله وما تلبث الام ان تنزعسترة لبنها من عليه وهو رافض للحمام وتكون القسوة لها الحل والعقد في تلك المرحلة ويستسلم الطفل فكان ما يفزعه تلك (الليفة) الخشنة المصنوعة من شعر النخيل الذي لم يدخله مشط ماشطة قط فتكور في اجزاء منه ، الطفل يتحرك في (الطشت) متالما من اشواك (الليفة) وفي لحظات يضحك منبها امه الا تضغط (بالليفة) تحت كتفيه او عند رقبته او اعلي بطنه وجوانبه فكلها اماك تجعله يحس باحساس (الزغزغه) فلا يلبث في مكانه ولا يثبت في حركته وكان ينتظر اللحظة الفاصلة في طمس عينيه بالغراء الصابوني الخارج من تلك الصابونة ذات اللون الداكن (صابونة غسيل) كان الحصول عليها يعد حلما احضرها بيديه مع السلعة التموينية الشهرية تمني لو رماها في الشارع، تنتهي الام ثم تقول خلاص (هاشهدك) وهي المرحلة الاخيرة من ماء لا يوجد به صابون وتنشف الطفل وتلبسه ثوبه الجديد الذي تم تفصيله عند الخياط مما تبقي من ثوب والده الذي يماثله وفي لحظة يسمع قران الجمعة وتقوم الام فزعة معلنة ان (الأوله) سوف تؤذن وتحضر ورقة اسمنت احضر فيها زوجها لحمة الخميس كانت ورقة ملطخة ببقايا دم جاف وفي خارج المنزل بمترين تشعل هذه الورقة لتقوم بنت في سن الثامنة عشر سلمت الام الطفل لها واوصتها ان تفعل ما تقوله لها من تمتمات لم يفهمها الطفل وان يمرره فوق النار بين رجليه سبع او تسع مرات حيث ان كلب اسود فزع الطفل وحاول ان يؤذيه وبعدها ذهب الطفل للجامع القريب من المنزل كغريب وجلس واخذ يقلد ويتمتم في صلاته ويلوك في لسانه وحركاته الصلاتية الاولي محاولا تقليد من عرفوا الصلاة قبلة.

 

 

قصة قصيرة للدكتور / العشماوي عبدالكريم
من كتابه زوال (الصلاة الأولي)
الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 

دكتور / العشماوي عبدالكريم يكتب….الصلاة الأولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى