عبير حلمي

دكتورة عبير حلمي تكتب.. قصة إبحار

الجزء الأول

 

قررت الإبحار في داخل نفسي والأعماق للبحث عما يدور داخل فكر القلب والشعور من أفراح وأحزان ، ولإظهار ما هو مخفي خلف الستار ومعرفة الحقيقة والأسرار ،قررت الإبحار ، هل تحيّا نفسي في سلام أم يحيّا الشقاء ولا تنام ؟ 

وهنا توقفت للحظات وسألت نفسي ما هو الخلود ؟

وهل هناك شيء خالدا إلى الأبد؟

وهل هناك أفراح أو أحزان تدوم إلي الأبد ؟

أم للحياة متغيرات ولكل شيء نهاية . يومٌ طويل ويومٌ قصير ،

يومٌ حلو ويومٌ مرّ وهكذا تمرّ الحياة . وتوقفت مرة أخرى ، التقطت بعض الأنفاس و أحاول أتنفس بانتظام لما وجدته من ضربات قلب سريعة ونفس مضطربة و ارتجاف. استغربت وتساءلت لماذا كل هذا؟

وبعد تلك اللحظات وأنا أحاول امتلاك نفسي والأعصاب . أحاول العودة للهدوء والسكون ، و أحاول إقناع النفس والعقل والقلب…. لا تقلقي فأنا أُجيد فن الإبحار وأُجيد حفظ الأسرار ،وما قررته من أجلك ومن أجل تصالح النفس مع النفس وليس الاضطراب والانزعاج، وكل العجب و علامات استغراب لما حدث ويحدث ،

ولِما كان من توتر وقلق واختلال الأنفاس . و دقات القلب السريعة وانقلاب المزاج وتَصبب العرق ؟!

قررت مرة أخرى الصمود وكأنني أتجمد ، حمود الفكر و الإحساس و أنتظر في سكون ليهدأ قلبي الغلبان وتعود الأنفاس لطبيعتها ويحدث من جديد ما هو كان ، التوافق والوفاق التام،و انتظرت عدة دقائق وأنا في جمود حتي لم أفكر نهائيا ما الذي يحدث الآن ،

 ولماذا ؟

 هل كان كل ذلك بسبب الإبحار داخل أعماق النفس ؟

أم كان بسبب تذكر بعض الآلام والأحزان في غضون البحث ومحاولة الإخفاء. أم كان بسبب الخوف والقلق لاكتشاف ما هو محمول في طي الذاكرة . ويبدو كأنه غير موجود وإنما بالحق هو موجود ولكن تحاول النفس والذاكرة معًا الإخفاء،و الحقيقة الوحيدة والأكيدة أن ما يدور في الأعماق يستطيع ترويع الكيان كله مسببًا له صدمات نفسية وخلل نفسي حقيقي لو لم يعالج ،

 ولو ظهر وأعلن للنفس أنه ما زال موجودا ، سوف يُدمرها بالحقد والغل والاكتئاب . وفوجئت بعكس ما كان يبدو من التجاهل لوجود تلك المشاعر ، وتكرار كلمات وهمية كأنه ماضي عبر دون أثر أو تأثير .كيف تمر بنا الأحداث ؟ . هل تعبر بلا تأثير أم تترك أثرا ، وأين يقطن هذا الأثر؟ هل داخل الشعور أم اللاشعور ؟

ومتى تكتشف الحقيقة التي تريد النفس اخفاءُها ؟

هنا توقفت عن الإبحار وقررت من جديد أن أكون لنفسي صديق.. وتعاهدنا سويا على الوفاء وعلى الكتمان وأن أصون الأسرار،

 ولكن مع العهد ….تعهدت أن أُخلّصها أيضًا من مرارة الحزن وما أصابها من ألم لمجرد إني قررت الإبحار ؟؛

وتعهدت ألا تعود لما كانت عليه منذ لحظات من اضطراب،

وأن تعود لمرحلة الفرح أو على الأقل السكون في اسوأ الأحوال .

أما الحزن والألم فهو مرفوض 

وكيف يكون ذلك عندما تطمئن للوجود؟؟؟

*وجود مُخلص له عهود 

*وجود مُبحر دون إلزام مع كامل الالتزام بحفظ كافة الأسرار ويعتبرها أيضًا من المقدسات .

*وجود كيان له نفس الكيان لا غريب ولا متطفل ولا في يومٍ ما سيكون . وهنا فقط تماثلتْ نفسي للشفاء و للهدوء والسكون وعادت لما كانت عليه منذ أول لحظة من الإبحار و تعهدنا معًا من جديد أن تفتح قلبها وتستجيب وتبدأ في استخراج المخفي داخل اللاشعور، والشرط المهم والأهم أن لا تخفي شيئا ولا تنزعج حين الاستذكار ، فأكيد هناك خفايا و أسرار منذ الطفولة …. أيام وشهور وسنوات، منها ما هو مفرح للقلب من أحداث ونجاحات وصدق و وعود والالتزام بها و هناك العكس تمامًا …..

فهناك ذكريات مؤلمة من خيانة أصدقاء أو خلافات مع أقرب ما يكون،وأيضًا هناك ما هو يؤلم أكثر فأكثر حينما تحاول الذاكرة استعادة الصورة الذهنية للحدث والموقف بكافة التفاصيل فهناك مواقف كثيرة من الحياة بالفعل تبدو مشاكل أنتهت و أختفت مع الزمن ولكن مازال أثرها وتأثيرها موجود وللم أكن في تلك اللحظة أتمني العودة لما كان منذ لحظات حينما كانت دقات القلب سريعة وبدأ الجسم في الارتجاف ولم أتمني أن تعود .وهنا توقفت ثانيًا ، لم يُمحَ هذا الموقف البسيط من أمام عيني ويراودني من حين لآخر فقد ترك في نفسي أثرا وجعلني أخشى أن يعود .ما بالك من أحداث مؤلمة سببت ذلك الشعور وحينما تذكرت ذلك تنهدت بصوت عالي وذرفت الدموع ،

ماذا حدث ولماذا ؟

و هنا أدركت خطورة الإبحار ؟

وتذكرت كل العهود أيضًا فقد تعهدتُ مع نفسي أن أكون أمينة، وأُساعدها في الوقوف مع النفس إلى أن استخرج منها كل مشاعر سلبية وكل أفكار مدفونة في اللاشعور لتتلقى وتعود لبراءة الطفولة، وكأنه ما كان ويختفي بالحق وليس من الظاهر ولكن من الباطن كما هو قاطن وموجود ، وهنا دار صراع داخلي بيني وبين نفسي لم أعرف كيف أكمل وما هو القرار السليم …

أكمل الإبحار واستخرج الأسرار*

وأحاول التخلص من كل ماهو سلبي وفي طي الكتمان …من شعور ألم وحزن وخزي وعار و أفكار ملوثة ومواقف مسيئة وأمراض نفسيّة مخفيّة فقط داخل النفس والفكر والوجدان ومواقف وذكريات مؤلمة و وتنهيدات ودموع تشق القلب وتختفي داخله ….لكنها لم تنتهِ فما زال تأثيرها موجود وبمجرد البحث فيها تبدو كالبركان وتستطيع أن تقلب المزاج والكيان ،

وهذا ما يحدث حينما تكون في قمة السعادة وداخلك يتذكر موقف به خزي وخذلان من شخص ما و فجأة تختفي تعبيرات السعادة من الوجوه وتمتزج مشاعر الحزن بالألم وتضيع نشوة الفرح وطعم اللذة و السعادة،

و نتلوث بمرض الفكر المضلل للحقيقة عندما نظهر عكس الحقيقية وكأن ما حدث و ما مرّ كأنه غير موجود، وهو بالفعل موجود ولم يخرج من داخلك للأسف ،أم أعود وأتراجع عن الإبحار وأكمل مشوار الحياة بما أحمله بداخلي و التظاهر بأنني في أحسن حال وكلي تسامح وتصالح مع النفس والآخرين وأقنع نفسي أنني في أفضل أحوالي .

*وما هو الداعي لكل ذلك؟ 

*وماهو الداعي للإبحار والبحث في الخفايا والأسرار ؟

*وما هو الداعي للتخلص من كل ذلك فهو الماضي ولكن 

ما زال ساكنا داخلي وكأنه….. غير موجود ،وهنا دار صراع جديد ….

*أيهما أفضل أكمل مسيرة الحياة بما فيها من أفراح وأحزان وبما يدور من نجاح وفشل في كل شيء من دراسة أو عمل أو علاقات …الخ 

*وأكمل كما أنا ما بداخلي و لا يعلمه أحدا ولا يعلم ما بي وما عليّ ،حتى نفسي لا تعلم إلا في الوقت المناسب حينما يأتي موقفٌ يشابه هذا الموقف أو يكون له نفس التأثير أو يكون له ذكرى مؤلمه تُستدعى من الأعماق وتظهر فجأة، ونعرف هنا حين ذلك أنه لم يعبر دون تأثير .  وإنما ترك التأثير الداخلى واستوطن الأعماق وأصبح ممزوج بالدموع ومُحمّل ومُشبع بعبث الوجوه ،فأيهما أفضل أكمل كما أنا ؟؟؟

*ام أُكرر تجربة الإبحار مع حفظ العهود والتصميم على نزع الماضي بسلبياته ونستخرج كل شيء من باطن الشعور وننزع الأفكار المخزونة ونلقى بها في بحر النسيان،

 وهنا تذكرت …عظمة وإحسان الخالق بهبة ضعف الذاكرة فهي رحمة من مراحم الله جل جلاله ،فنحن حينما نسأل رجل كاهل عجوز قرر أن يعيش ما تبقى من عمره دون ألم أو تذكُر للألم، فقد اكتفى بما مرّ به من طول الحياة ووصل أخيراااا للحقيقة . إنه “باطل الاباطيل الكل باطل” كما قال: الحكيم سليمان .وحينما نسأله عن أي ذكريات في الماضي يبتسم ويقول: أنا ابن اليوم لم أتذكر شيء وكأنني طفل مولود فما أعظم ذلك الشعور .

*لم يحمل بداخله شيء 

*داخله فقط السلام والنقاء

*داخله فقط الفرح وعلى وجه الرضا وابتسامته صانعة السعادة لكل من حوله .متى نعود لذلك الشعور و كأنني طفل مولود من جديد لم أحمل داخلي غير التفاؤل والأمل .لم يلوث فكري بعد بأفكار الخزي والعار والتجارب المؤلمة، وأنظر للحياة من جديد والماضي أتركه ….وبالفعل أتركه بما فيه و اصفي ذهني وقلبي ، وحينما أبحر داخل نفسي والأعماق أجد الهدوء والسكون. وأجد ما بها يُخلد الروح في عالم الباقيات ، فالروح للرب تَعود وإنما فقط بتلك المشاعر وما بها من النقاءِ والصفاء والتصالح مع النفس، ولم أتذكر شيء مما كان . أنا ابن تلك اللحظة وكأنني طفل مولود وهنا تأكدت أنني وصلت لأهم حقيقية في تجربة الإبحار . و أحدّثُ نفسي كفى وكفى

كفى حزن وكفى خزي وكفى ألم وكفى ذكريات مؤلمة ولنعود من جديد للحياة .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى