أحمد محمد الشربيني

دكتورأحمد محمد الشربيني يكتب..من الفروق الدلالية في القرآن الكريم

 

 عزيزي القارئ إن القرآن الكريم معجزة الله الخالدة فهو كلام الله المتعبد بتلاوته والمنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق أمين الوحي جبريل وقد زخر كتاب الله بفرائد لغوية وفروق دلالية تؤكد على إعجازه اللغوي الذي يتعدى حدود النظم البشري لفظاً ودلالة. فكتاب الله دقيق في بيانه وإعجازه ولأننا في مستهل عام جديد نسمع الكثيرين يهنئون أقرانهم بعبارة( سنة سعيدة) ولا يدرون الفارق بينها وبين ألفاظ تشتجر معها وتندرج في ذات الحقل الزمني كالعام والحول والحجة

 فلفظة ((سنة)) غالباً ما ترد في سياقات الشدة والقحط والعسر؛ قال تعالى : 

‏((ولقد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرون)) 

 وقوله تعالى:

  في سورة يوسف: ((وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)) [٤٢]

وهذا الملامح الدلالي نراه متواتراً في جميع الآيات التي ورد بها ذكر السنة والسنين

أما(العام) فيأتي في سياقات تتصل بالرخاء والسعة واليسر غالباً؛ مصداقاً لقوله تعالى: 

(ثمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسِ وفيه يَعصرُون)…

أما لفظة(الحول) فلم ترد في القرآن إلا في سياقات تتصل بالموت أو الطلاق ذلك أن كلمة (حول) تعني في الأصل حال يحول بين اثنين كتلك الحال التي تحول بين الميت وأهله من خلال الوفاة أوبين الزوج وزوجته عبرالطلاق لهذا لم ترد إلا للدلالة على الموت أوالطلاق ولم تتعداهما؛ قال تعالى: مدة الحمل

(( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعلى المولودِ له رزقهُنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف )) هذا في حالة الطلاق

أما في حال الموت

((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) .

البقرة : ٢٤٠

أما لفظة الحجة فقد وردت في آية واحدة في سياق قصة سيدنا موسى وصاحب مدين إذ جاء على لسانه ”  

((قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)) 

والحجة والحج في اللغة تدلان على مطلق الزيارة ثم خصصت دلالتها فيما بعد للدلالة على فريضة الحج والحاج هو الزائر الذي يقضي زيارته ثم يرجع لأهله أو بلده فكأن صاحب مدين(سيدنا شعيب عليه السلام) يقول لسيدنا موسى عليه السلام بعد قضاء الحجج أو الزيارة لك أن ترجع بأهلك وتعود لوطنك ولن أشق عليك فلا بد للزائر أن يعود لأهله

تلك لغة القرآن وإعجاز البيان التي حار في فرائدها البلاغيون ودان بفضلها المعجميون وبهت لإزعجازها الملحدون والمشركون؛ ولا عجب في ذلك قال تعالى: 

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل٩٠

تلك الآيات عندما سمعها الوليد بن المغيرة من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال عن القرآن قولته الشهيرة ” إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يُعلي عليه” فحذره أبو جهل – لعنه الله- من تبعات قوله بين قومه ففكر ثانية ثم وصف الآيات بالسحر وهنا نزل قول الله تعالي في سورة المدثر

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٣٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦)

وهكذا بينت الآيات حقيقة نظرة الملحدين والمشركين في دلالة القرآن وما تضمنه من إعجاز البيان فهم يعلمون أنه الحق بيد أنهم يكابرون و يمارون ويدلسون.

الدكتور /أحمد محمد الشربيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى