إبداعات أدبية

الكاتبة الروائية نهاد عبدالملك تكتب..رحلة سَفر

 


بعد حوار ذي شجون، مع ابنة عمها، التي تعيش بالإسكندرية؛ اتفقتا على أن تذهب لزيارتها، وقضاء إجازة آخر الأسبوع معها .


وبالفعل؛ اتجهت في الصباح الباكر لمحطة القطار؛ فرحتها باللقاء أضْفت عليها حالة من السلام النفسي؛ جعلتها  تسير في هدوء؛ مُتفحصة في كل شيء ..
ومنذ أن دَلفت، من بوابة المحطة، للداخل، وهي مُعجبة بالنظافة البادية بالطرقات؛ ولاحظت أن المسافرين يتقدمون بخطوات سريعة؛ طالبين الدفء، رغم ارتداء الجميع الملابس الصوفية الثقيلة، الصمت يُخيِّم عليهم، ولا تسمع سوى صوت أنفاسهم اللاهثة للحاق بالقطار .


استقرت بمكانها داخل القطار، وأكملت متابعتها لِما يدور على الرصيف المقابل للقطار؛ جَلبة خفيفة أثناء صعود المسافرين، ووضع حقائبهم .


بدأ تحرك القطار؛ لحظة من السكون التام، كما لو أن الجميع يحبسون الأنفاس، فى ترقب لمجهول قادم ..

انتبهت لعجلات القطار،  وهي تتسارع على القضبان؛ وكأنها مسار حياتها، الذى عاشته فى تسارع، وتصارع مع كل شيء حولها؛ فلم تكُن حياتها، منذ طفولتها، بالسهلة الميسرة، لقد تم تحميلها المسئولية، منذ الصغر؛ فباتت شخصيتها مُشْبعة بالحكمة، والقدرة على الصبر، والتحمل .


ترامى إلى مسمعها؛ حديث يدور بين شيخ، وشاب؛ أدارت رأسها، في اتجاه الصوت؛ فرأت شيخًا، أطلق لحيته؛ حتى طالت بشكل لافت للنظر، يرتدي جلبابًا رصاصي اللون، كأنه نسج من ضبابية السماء، وعليه مِعطف من اللون الأسود ..

أما الشاب؛ فشعره طويل، معقود للخلف، يخرج من غطاء صوفية للرأس، وملابسه بألوان توحي بالبهجة؛ خليط بين الشباب، والحيوية .


الشيخ يتحدث بقال الله، وقال الرسول، في حديث يبدو دينيًّا، ولكنه يشع تطرفًا، ويجادله الشاب، بمنطق العصر؛ عصر تكنولوجيا المعلومات، والانفتاح العقلي على كل شيء، بلا أي حواجز، فى كل العالم؛ إنّه تجسيد حي لجيل هذا العصر؛ حديث صراع حضارات، أقرب من أن يكون حديث صراع أجيال .


جال بخُلدها؛ أيامٌ مرّت عليها في شبابها؛ كيف نشأت، وتربت على أدب الحوار، مع مَنْ يكبُرها سنًا، وكيف كانت الأفكار، والآراء؛ تكاد تختنق بداخلها،  دون أن تخرج؛ خوفًا تارة، وخجلًا تارة أخرى ؟!


وصل القطار؛ فبدأت النزول، تدور برأسها أفكارٌ عديدة؛ كانت بانتظارها ابنة عمها، التي استقبلتها بالعناق، والترحاب ..
لقد تغيّر كل شيء؛ ليست الأماكن فحسب، ولكن الأشخاص، والمعتقدات، والسلوك، كذلك؛ باتت الدنيا، بأكملها؛ غير ما مضى، ولكن بقيت – ولابد أن تظل باقية – الصلة بين الأهل؛ تلك الرابطة الجميلة، التي تحمل، دومًا، في طياتها؛ أجمل الأيام، وأحلى اللحظات، والذكريات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى