آراء حرة

الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي يكتب…قصة الخلق والنشوء بين الميثولوجيا والحقيقة

المقالة الأولى ( من هي المرأة )

 

خلق الله البشر من ذكر وأنثى وجعلهما زوجا وزوجة واخرج منهما ذرية هم الولد والصهر والنسب وكلفهما بسكن الأرض وإعمارها ، وجعل لكل منهما صفاته السيكولوجية والجسدية الخاصة به المميزة له، فخص الرجل بالفحولة والخشونة والقوة، والمرأة بالرقة والجمال والأنوثة، ولكون المرأة هي العشير الأنيس فمن حقها بل من واجبها أن تحافظ على جمالها ورقتها وأنوثتها، كي تستحوذ على عقل الرجل وقلبه وتملأ عليه حياته، وهو الذي فطر على عشق المرأة الجميلة المكتملة الأنوثة المرهفة الإحساس، فالمرأة بلا جمال يسحر الرجل كالأرض القاحلة، والجمال بلا أنوثة تحرك مشاعره هي كالوردة بلا رائحة والأنوثة بحاجة إلى أناقة تميزها فبغير الأناقة هي وردة بلا ألوان زاهية فالمرأة كالوردة بجمال ألوانها وشذا عطرها، ولذلك هي الحاضرة الغائبة دائما في مجالسنا العامة والخاصة وسمرنا، فهي إن غابت بجسدها حاضرة بروحها، وهي محور أبحاث الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع واهتماماتهم منذ قديم الأزل، فهل لأنها ذلك المخلوق الرقيق الجميل الذي يجد فيه الرجل الحضن الدافئ والابتسامة الساحرة، ولأنها ملهم الشعراء والفنانين، أم لأن الشرائع الدينية والقوانين الاجتماعية أعطتها حيزا كبيرا من اهتماماتها وحثت على دورها المتميز وأهميته في المجتمع والأسرة، كل هذا لكن وللأسف لا يزال يترسخ في أذهان البعض أن المرأة خلقت فقط لمتعة الرجل والقيام على خدمته وإنجاب أولاده وإعالتهم، وقد غاب عن عقولهم المغلقة أن الله خلقها كائنا كاملا لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة ندا مكملا للرجل فلا تكتمل دورة الحياة إلا بهما معا، وهذا ما يدفعنا إلى نفض الغبار عن الحقيقة وإظهارها جلية إلى العلن، ومما لا بد منه قبل البدء بذلك أن نهمس في أذن كل من المرأة والرجل ونذكرهما أن المرأة الجميلة ذات الأنوثة المكتملة والأناقة الراقية طيبة الأخلاق والأدب المثقفة المدركة لواقعها الواثقة من نفسها هي حديقة ورد تضج جمال تفوح منها نسائم العطر، ولتكن بدايتنا في تسليط الضوء عما ورد ذكره في المرأة مما تركه لنا أجدادنا في مخطوطاتهم وجدارياتهم عبر التاريخ من الميثولوجيا في العصور الأولى لوجود الإنسان على الأرض إلى ما خصتها به الشرائع السماوية والقوانين المدنية.

2- المرأة في الميثولوجيا

مما ورد في إحدى الميثولوجيات إن الله خلق كائن عاقل ذكرا أسماه آدم،، وأطلقه وحيدا في الجنة وليس فيها مخلوق سواه، ولكن سرعان ما ضاق ذرع بوحدته وبدأ يشعر بحاجته الملحة إلى مخلوق يأنس اليه يشاركه حياته يفضي اليه ويلبي حاجته، فنادى ربه قائلا (رب لقد سئمت وحدتي بأن جعلتيني وحيدا فأخلق لي شيئا يكون لي مرآة أرى فيها نفسي ومجدي ووسادة اتكئ عليها وقناعا أختبئ خلفه في تعاستي ووحدتي ولعبة افرح بها وتمثالا املأ به عيني بجماله وفكرة تستفزني ومنارة اهتدى بها) فاستجاب له ربه وخلق له امرأة أنثى، عرفت باسم حواء وليس لدينا معرفة بمن اطلق عليها هذا الاسم، ربما يكون قد اشتق من كلمة حياة لأنها تهب الحياة لجنينها وهو في أحشائها، تميزت حواء هذه بصفات جمالية وسيكولوجية وبيولوجية مختلفة حركت مشاعر آدم فمال إليها والتصق بها لتكون له السكن والوليف والعشير، وباتت مرآة نفسه وفرحتها والجمال الذي يتمتع به، وبخلق حواء تكون قد تحققت الغاية التي خلقا من أجلها وهي أن يسكنا الأرض ويعمرانها وهذا لن يتم إلا بوجود ذكر وأنثى يتوالدان ويكثران النسل بعد تهيئة الأسباب والدوافع الموجبة كما هو مقرر لهما لطردهما من الجنة باغوائهما من قبل الشيطان ومخالفة تعاليم الرب وتناولهما الثمرة المحرمة. 

وفي أسطورة أخرى إن الله خلق كائن ذكر أسماه آدم وبعد وجد فيه الإخلاص والطاعة أراد أن يكرمه ويضفي السعادة على حياته فخلق له امرأة أنثى التي هي حواء وجعلها أنيسا له وجليسا يغرم بجمالها تشبع رغباته ليكون له منها نسلا يعمر الأرض، كانت جميلة رقيقة، جبلت من جملة من المتناقضات شملت صفات كل المخلوقات وطباعها فكانت هي السهل الممتنع جمعت بين جمال الشكل وشراسة الأخلاق وطيب المعشر والتسلط والغرور وأيضا جمعت بين الطيبة والخبث والدهاء وبين الرقة والقساوة وما بين عذوبة اللسان وحلاوته تارة ثرثارة وتارة صمتها قاتل تحب وتكره في آن واحد، رائعة إن أحبت، حقودة أن كرهت حربا على من يعاديها، بهذه الصفات جعلت من آدم مغرما بها طامع بودها لا يقوى على فراقها، حتى كانت له العشير الذي شغله واستكان له، مما حدا بها إلى أن تسلطت عليه بكل إغراءاتها، واستطاعت أن تجعله يعصي ويأكل من الشجرة المحرمة ويرتكب الآثام والخطايا في سبيل إرضائها، وهذا كان سبب غضب الرب وسخطه عليهما فعاقبهما وطردهما من الجنة إلى الأرض، وبما أن حواء هي التي تسبب بعصيان آدم ربه فقد صب الله عليها جام غضبه ولعنها واختصها بالقدر الأكبر من العقاب، فكان عقابها من جنس عملها فجعلها تعاني الآلام من الحمل والولادة لا إغرائها لآدم كان إثارة شهوته الجسدية، وملكه أمرها ليسخرها لخدمته وطاعته وتنفيذ أوامره.

 3 – المرأة بين الميثولوجيا والحقيقة

وفي ميثيولوجيات أخرى نجد أن بعض الأمور قد اختلطت فيما بينها منها ما تباين ومنها ما اختلف والبعض منها انصهرت مع بعضها لتشكل رؤية ثالثة فيما بين تعاليم الإله الواحد وتعاليم الآلهة المتعددة ولذلك تعددت الروايات والصور المنقولة عبر التاريخ حول مكانة المرأة وحقوقها وواجباتها ومكانتها الاجتماعية في الكثير من الحضارات القديمة كالإغريق والرومان وبلاد الشام والرافدين ومصر والجزيرة العربية وحضارات البحر المتوسط وشرق آسيا فمنهم من جعلها تابعا للرجل تقوم على خدمته تمتثل لأوامره بمثابة الآمة له تباع وتشرى في أسواق النخاسة وهناك ما هو على النقيض تماما جعلت للمرأة مكانة خاصة لها فكان لها استقلاليتها وقدسيتها واحترامها وحصانتها، متمتعة بكامل حقوقها الاجتماعية والقانونية والسياسية والدينية والاقتصادية، وكثيرا ما نجد في كتب التاريخ قصصا كثيرة تتحدث عن دخولها معترك السياسة ونجحن فيها وضربت الأمثلة عن المكر والدهاء والحنكة التي اتصفت بهم في السياسة والحكم والحرب ولذلك علت علوا لا نظير له فسادت واعتلت عروشا وقادت جيوشا وخاضت غمار الحروب وانتصرت على أعتى جيوش العالم قوة وقادة ، وهناك شعوب جعلت منهن آلهة تعبد فصنعوا لها تماثيل وصورا جدارية كإلهة الحب والخصب والجمال والعدل، ومنهن من تزوجن آلهة فأنجبن آلهة أو ملائكة منزهة فعبدن وحكمن الدول في آن واحد وكان منهن ملكات وآلهة في آن واحد حكمن دولا عدة .

4- المرأة في الشرائع السماوية

أما الشرائع السماوية فقد اتفقت جميعها وبالنص أن الله هو الذي صنع آدم بيديه ونفخ فيه الروح، وقصة الخلق هذه ترويها لنا جميع هذه الكتب بشكل متشابه إضافة إلى أن الله هو الذي سماه باسمه آدم فخاطبه وناداه باسمه مباشرة بعد أن نفخ فيه من روحه موجها إليه الخطاب ومن خلاله إلى حواء التي لم يذكر اسمها الله صراحة في جميع هذه الكتب ولا عن كيفية خلقها، وأيضا لم يذكر في كتب التاريخ وما يذكر عن قصة خلق حواء وتسميتها بشكل واضح ومتشابه كلها مأخوذة عن الأساطير وعن رواة أو مبشرين هذه الأديان ، ثم أطلقهما الله في الجنة بعد أن علم آدم كل الأسماء وأعطاه الوصايا والتعليمات التي يجب عليه اتباعها والالتزام بها محذرا إياهما الاقتراب من الشجرة المحرمة أو تناول ثمرها ، من المعلوم لدينا فقط أن آدم وحواء كانا زوجين بدليل النصوص الواردة في هذه الكتب اخترت منها ما ورد في سورة البقرة حيث خاطب الله تعالى آدم قائلا (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وما ورد في العهد القديم من سفر التكوين ( وقد سميت “حواء” لأنها كانت أم كل حي ، وقد خلقها الله بعد أن سمح لآدم أن يرى أنه ليس له رفيق مناسب بين الحيوانات أي أنه لا يوجد مخلوق آخر مثله لهذا خلق الله حواء نظير آدم وخلقت حواء على صورة الله تماما مثل آدم ، وحذرهما أنه يوم يأكلان من تلك الشجرة موتا يموتان ) وما عدا ذلك مما ورد ووصل إلينا هو روايات متناقلة، فكلمة زوج هنا تعني لغة البعل أو القرين، ونلاحظ أن الله بمخاطبته آدم دون حواء وتقديمه عليها ليس تقليل من شأنها وأمرها بدليل أن التكليف والنهي كان لهما معا وقد يكون من باب تأكيد قوامة الرجل على المرأة تكريم لها ورفعة لشأنها وأنه أقدر على تحمل الأعباء بسبب صفة المرأة العاطفية ، وهنا لا بد من التنويه جهالتنا بالمدة التي مكث فيها آدم وحواء بالجنة معا وقبل خلق حواء قبل إهباطهما إلى الأرض بعصيان آدم وأكله من الشجرة المحرمة وإرغام حواء على الأكل منها ، أما بالنسبة للتزاوج والتناسل والإنجاب فقد تم على الأرض بدليل كل الروايات ، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الفلاسفة وبعض الفرق الدينية جنحت إلى الاعتقاد بوجود أكثر من آدم وأكثر من حواء رادين ذلك إلى أن المنطق الجدلي الذي يتطلب وجود أكثر من أب وأم للمصاهرة والتزاوج الصحيح، واتفاق الأديان على حرمة زواج المحارم كزواج الإخوة الأشقاء، ويبقى هذا مجرد اعتقاد وفلسفة استقرائية لعدم وجود صريح النص والدليل المادي وأيضا عدم وجود الفائدة من الخوض في هكذا موضوع..                           

5 – المرأة بين الحقيقة والواقع 

نحن نعلم أن كافة الأديان السماوية جعلت للمرأة مكانة محترمة تليق بها فصانت كرامتها وحفظت كامل حقوقها الشرعية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية، وأقرت باستقلالها الاقتصادي والمالي وحريتها في اتخاذ قراراتها وحياتها الشخصية وتقرير مصيرها كالزواج والطلاق والتصرف بإرثها وأموالها وفصلتها تفصيلا كاملا، كما كلفتها بواجبات تليق بها وتتلاءم مع طبيعتها السيكولوجية والبيولوجية والجسدية كأنثى ومهمتها كزوجة وأم وابنة تختلف عن طبيعة الرجل التي يتميز بسيكولوجية جسدية خاصة به، وما كان فرض قوامته عليها إلا لأسباب وضحتها هذه الكتب، ولم تقف عند هذا فقط، فقد حضت على إزالة اللبس والظلم عنها وبرأتها من الاتهامات التي ألصقها الرجل بها كونها هي التي تسببت بخروجها وآدم من الجنة وتميزها بالكيد العظيم الذي تقهر به الرجال، فأكدت بطلان هذه التهم بل ووضحت بأن آدم هو أول من سولت له نفسه عصيان أوامر ربه والأكل من الشجرة المحرمة، طامع في الخلود الأبدي ومعرفة الخير من الشر، وكي يضمن بقاؤهما معا وشريكا له في المعصية، فكان هو المتسبب الأول في غضب الله عليهما وطردهما من الجنة وهبوطهما إلى الأرض ولم تغفل عن أي شيء يعطي المرأة مكانتها الرفيعة، إلا أن توالي السنين وتبدلات الأزمان والأحداث واختلاف الحضارات وتميز الرجل بقوته الجسدية مقارنة بضعف المرأة جسديا وغلبة طبيعتها العاطفية جعلت منه سيدا طاغيا واستغل فرض القوامة عليها ففسر أوامر الله ونواهيه بما يتناسب ومصلحته الشخصية فأخضعها لسيطرته وهيمنته وسلبها كامل حقوقها وسخرها لخدمته وإطاعة أوامره ونواهيه والسهر على راحته دون اهتمام بها أو شفقة عليها حتى أصبحت جزءا من أملاكه الخاصة.

6 – الخاتمة 

وفي النهاية لا بد بل ومن الواجب علينا إعادة النظر فيما وصلت إليه استخفاف لمكانتها ومن إجحاف وظلم وعلينا إحقاق الحق وإعادة الأمور إلى نصابها كما أوصت به كافة الشرائع السماوية والحفاظ عليها وصيانة حقوقها لتبقى قوية نضرة تبني أجيالنا المتجددة التي نعول عليها بناء مجتمع حضاري يليق بنا بين الشعوب ، ولكي تبقى تلك الوردة النقية الشذية في حديقتنا، وأن نجعل من أنفسنا قدوة لها ونأخذ بيدها لتدخل معترك الحياة العامة بكل جوانبها المشروعة، وأننا لا نعدم الأمثلة الكثيرة عن نساء دخلن معترك الحياة العامة العلمية والسياسية والاقتصادية ونجحن فيها ووضعن البرامج السياسية والخطط الاقتصادية وإدارة الأموال بدهاء وحنكة لا مثيل لهما، ولذلك إذا أردنا أمة صالحة يجب أن تكون لدينا امرأة صالحة، فبصلاح المرأة يصلح المجتمع وبفسادها يفسد، فالمرأة الصالحة هي من ولدت ونشأت في بيئة طيبة صالحة تربت على الأخلاق والأدب مثقفة راقية أعطتها رجاحة العقل والثقة بالنفس، وجعلت منها شخصية مثالية تتميز بقدرات وإمكانات ثقافية وعلمية، فبقدر ما كانت هي كذلك تستطيع إثبات وجودها ووضع بصمتها في كل وسط تتواجد فيه تستطيع رفد المجتمع بالطاقات المتجددة التي تبني الوطن والحضارة.  

وإلى اللقاء مع محاضرة جديدة من بحث من هي المرأة والذي سيكون عن الزواج والطلاق

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى