آراء حرةأمجد المصري

أمجد المصري يكتب.. قتلوه لأنه يفكر

في ذكرى اغتيال المفكر فرج فودة في الثامن من يونيو عام ١٩٩٢ نُذكر الصغار بما كان، ليعرفوا كيف كانت تلك العقول التكفيرية ومازالت..!

حين سألوا قاتله لماذا قتلته؟ قال لأنه ينشر الكفر فى مقالاته وكتبه ،سألوه وهل قرات تلك الكتب فقال (لا) أنا (أمى) لا اقرأ ولا أكتب، ليست دعابه ولكنها خلاصة ماحدث وحقيقة ما يحدث حتى الأن من هؤلاء المغيبون بأسم الدين جهلاً لا يقينًا . فكيف نتعامل مع هذه العقول .!

 

قتلوه كما لو كان زنديقًا فاسقًا أو مجرم حرب، هكذا صور لهم شيطانهم وأحل لهم مرشدهم وشيخهم أن يسفكوا دماء رجل كل جريمته أنه عرف ان له عقلاً لابد أن يستخدمه، وإن الأنسان هو خليفة الله فى الارض ومعجزته الباقيه، حيث لا مجال للطاعة العمياء أو السير خلف قطيع الجهلاء بحجة أن شيخًا او مرشدًا قد قال كذا ، وإنما هو العقل لابد من إعماله فى كل ما يقبل الإجتهاد بعيداً عن الثوابت الشرعيه والقيم الأخلاقيه الراسخه، فماعدا ذلك فكل الأفكار على وجه الأرض مازالت تقبل النقاش والأخذ منها والرد عليها .

 

فى ذكرى إغتيال فرج فوده مازلت أتذكر تلك المناظره الشهيره التى جرت على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب فى السابع من يناير ١٩٩٢ ، والتى وقف فيها الرجل بمفرده مدافعاً عن آرائِه أمام جبهه مدججه بكل الأسلحه من الفكر والشعبيه والإنتساب إلى تيار الأسلام السياسى الرائج فى تلك الفتره من حكم مبارك وما قبلها خلال حكم السادات، وكيف بدا الرجل واثقًا من نفسه وهو يناظر كل من الشيخ محمد الغزالي والمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان المسلمين وأستمرت المناظره قرابه ال ثلاث ساعات بحضور ٢٠ الف من أنصار الجماعه الإسلاميه وأتباع المرشد الأخوانى الذين تدفقوا على معرض الكتاب وأشعلوا الخيمه بهتافات ساخنة فى بداية المناظره بين التكبير والتهليل ليتحدث الرجل ويرد على أتهامات المرشد له بألالحاد والدعوه إلى العلمانيه التى اعتبروها أعلى درجات الكفر فيتحول كل هذا الصخب الى صمت مطبق عند نهاية المناظرة فقد إنعدم الهتاف وذابت الحدة وسيطر الهدوء على الحاضرين وانصرف أغلب الحشد وهو مقتنع من داخله بأنه ما من أحد يمتلك الصواب المطلق ولا الحق المطلق، وأن لكل طرف وفكر حججه ومنطقه وأن مساحة الألتقاء أكبر بكثير من مساحة الخلاف، وأن الإسلام ليس طرفاً في الحوار، ولكن الخلاف سيظل دائماً حول أستخدام الدين لتحقيق اغراض سياسيه وسلطويه ومصالح للجماعه ومجلس ارشادها الأعلى .

 

إستطاع الرجل أن يهزم المرشد وأنصاره المحتشدين خلفه بالفكر والحوار والصوت الهادىء وثقته فيما يقول فكان جزاؤه أن يُقتل بعدها ب ٦ اشهر حتى لا يتجرأ أحد على تكرار فعلته النكراء، فكيف لرجل مثله أن يفكر ويبحث عن الحقيقه . قرأ فرج فوده الأحداث مبكرًا وأستطاع أن يستخدم عقله جيدًا ليرى ما نحن مقبلون عليه بعد سنوات إذا تمكن أمثال هؤلاء من الحكم والسيطره على مقاليد الامور، وهو ما تحقق بالحرف الواحد بعد٢٠ عام من وفاته فى ٢٠١٢ عندما وصل الإخوان المسلمين وقوى الأسلام السياسى للحكم فتحقق كل ما حذر منه شهيد الفكر فى كتبه الرائعه التى ستبقى دائمًا شاهده على عبقرية رجل وقف وحده أعزل من أى سلاح سوى قلمه أمام جماعه سوداء وقرأ ما فى عقولهم وما يخفونه فى صدورهم وكتب عنه فقتلوه ولكنهم ابداً لم يقتلو الفكره فبقى فرج فوده وكتبه وذهبت جماعتهم إلى غياهب التاريخ ..!!

 

بالفكر يتحقق المستحيل . هكذا علمنا فرج فوده رغم وفاته فى سن صغير وبما تركه لنا من أعمال تستحق أن تُقرأ مثل (الحقيقة الغائبة وحوارات حول الشريعة والطائفية إلى أين؟ ونكون أو لا نكون والارهاب وقبل السقوط) وغيرها من الكتب التى يؤخذ منها ويرد عليها ولكنها كانت شديدة الوقع على جماعه عمرها حينئذ اكثر من٦٥ عام لم تتحمل هذه الحروف التى كانت عليها أشد من الرصاص والسجن والإعتقال فى فترات من تاريخها فهكذا هو الفكر حين يكون صاحبه على مستوى الحدث ..

رحم الله فرج فوده وأرشدنا إلى أن نسير على درب الفكر ومحاربة تلك العقول السوداء بنفس سلاحه، فالفكر المتطرف لا يواجه إلا بفكر معتدل والباطل الأسود لا يفضحه إلا بياض الحق.. حفظ الله الوطن ومفكريه وأصحاب العقول والأقلام وأرشدنا جميعًا إلى كلمة حق ندافع بها عن ديننا ووطننا وأجيالنا الناشئه ضد هذا الغزو والتغييب والبلطجه الفكريه التى مارسها ويمارسها علينا هؤلاء المضللين . لله در المُفكرين …!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى