توب ستوري

الكاتبة التونسية /نادية التومي تكتب.. دفتر الذكريات ( قصة قصيرة)

 





كانت هالة تتحدثُ في قرارةِ نفسها وهي مستلقية على الفراش بعد تعب يوم كامل من العمل في البيت، كان زوجها عمر ينعم بالنوم، لم يشعر حتى أتت بجانبه، بدأت الأفكار تراودها وكانت كثيرة الأسئلة مع ذاتها تقول :


ماذا أكتب في دفتر الذكريات الليلة هل عمّا يختلج وجداني، أو ما يحرق فؤادي، أو عمّا يقتل ما بداخلي، واتساءل دائماً مع نفسي من أنا ؟ هل أنا أنثى؟ أم أنني مجرد إنسان؟


كل كلماتي تبقى مكتومةً بداخلي طيَّ الكتمان لا أخرجها لأحد حتى أنني لا أقدر أن أحادث نفسي بها.


لماذا أبحث عن ذاتي؟ هل حقاً أنا إنسانة تستحق الاهتمام من الآخرين أو الإهمال؟. 


كلها أسئلة ألقتها على نفسها وهي منهكة بعد شقاء نهار طويل .

أخذت الدفتر والقلم، و همّت بالكتابة، ترددت في كتابة الحروف الأولى ثم كتبت؛


“إنه إحساس بالغربة أعيشه في داخلي، لماذا أنا أعامل بتجاهل؟ أنا إمرأة كلها أحاسيس ولها كيان ولكن عندما وصلت لسن الخمسين أحسستُ أنني أصبحت غير مرئية عند الجميع بل أصبحت مثل أثاث المنزل أو قطعة قديمة من الأنتيكة.”


كانت من حين الى آخر تنظر الى زوجها الملقى بجانبها على الفراش وهو في سبات عميق تسمع شخيره وزفيره كأنه موسيقى نشاز، كان ذلك يقلقها قليلاً لأنه يشوّش أفكارها، اتمّت الكتابة؛


“هو لا يعيرني أي اهتمام، نضحك ، نلعب، نتحاور على كل شيء نحترم آراء بعضنا، ونأخذ بخاطر بعضنا، نعم كل هذا يجري في غضون النهار أما في الليل وفي الفراش نحن غرباء، لا يهتم لو تركته شهوراً لن 

يشعرَ بأي فارق ولن يعير ذلك اهتماماً ولن يشعر بي بل لن يهتم، أسكت، أبكي في صمت لأنه إحساس غريب أن تشعر أنك غير مرغوب بك، وأنت تشتعل نيراناً مؤججةً بداخلك، أنوثة، وامرأة ككل النساء تريد من يهتم بها ، أن يقبّلها، أن يلاعبها ويداعبها في الفراش ولكن هيهات لا حياة لمن تنادي، كأنك مع قطعة ثلج متجمدة”


” يا ترى هل أنا مهووسة بالعلاقة الجنسية أم أنها سنّة الحياة وهو حق شرعي تطلبه المرأة من الرجل بل هو أن تحس أنك أنثى وهناك من يعاملك بإحساس ، لا تجد من يتلهف لك وقت تجدينَ مشاعرك و أحاسيسك تتأجج بل عندما تشعرينَ بحاجتك الجنسية ولا تجدين من يطفىء نارها، لتجدي نفسك من يكبحها بداخلك، لا لشيء إلا أن هناك اشياء تربطك بشريكٍ أكبر من تلك 

العلاقة الليلية في الفراش علاقة ود ومودة وحب ابدي ينسيك تلك الآلام الداخلية والتي لا تريدين توجعي بها شريكك


 “ألاحظ له بابتسامة وبمداعبة وضحكة ولكن لا أحاول أن أجرحه لأن العلاقة تمس بكرامة الرجال خاصة أننا في مجتمع شرقي ذكوري ، لا تجرئين أن تعبري بأعلى صوتك عن حاجتك لهذه العلاقة وتفضلين إبقاءها داخلك لأنه ينسيك بطيبة معاملته تلك الأشياء، ولكن دائماً تبقى تتساءل لمَ الحاجة لعلاقة حميمية هي أساس الحياة أم انها حاجة لا شعورية لا يمكن أن يتحكم بها الإنسان.”


تنهدت قليلاً ثم توقفت عن الكتابة و احمرَّ وجهها وقالت : ماذا أكتب؟ ماذا ا٩فعل؟ هذا عيب، لو قرأ أحد هذا ماذا سيقول، هل يقول إمرأة وقحة أو ماذا؟. كانت تدور الأسئلة في مخيلتها بسرعة، ثم في لحظة قالت: 


“كفاني خوفاً من نفسي وممن حولي فأنا لم اقترف ذنباً يخدش الأخلاق، أنا أتحدث مع نفسي، ومع قلمي ودفتري وأبوح بما يختلج بصدري منذ سنين بحجة الخجل والحرام والحلال .


“من أنا لأحل أشياء نزّلها الله وذكرها في كتابه، أنا فقط أتحدث عن نفسي واحاول تخليصها من عبئها الثقيل

فر يوماً سيقرأ كلماتي البعضُ ويفهموا أن المرأة ليس صمتها دائما يكون هدوءاً فقد يكون بركاناً داخلها ولكن لا تجد من يفهمها، من يأخذ بيدها ومن يحاول أن يصلح ما أفسده الزمن بيد إنسان دون أن يشعر بذلك”

 أكملت الكتابة وقالت: 


“أنني أرى العديد من النساء مثلي يعانون نفس الشيء هناك من يجرؤن على الإفصاح عن ذلك وهناك من يكتمن الأمر ويقلن التقاليد والأعراف لا تسمح بذلك الإفصاح، تلك النساء ترى في عيون من حولها من الرجال إعجاباً بجمالها ولكن لا يحرك لها ساكنا لأنها تنتظر ذلك من رجل واحد اختارته ذات يوم بدون أي ضغط وعهدت نفسها أنه هو الأول والأخير ولن يكون في حياتها أحداً غيره ولكن يا رب لماذا هذا العذاب؟ هل يستحق المرء ان يهمل وان لا يلاقي الاهتمام؟” 


توقفت مرة أخرى عن الكتابة وكانت تنظر إلى زوحها كيف يتقلب ذات اليمين وذات الشمال فتذكرت أنها منذ تعرفت عليه كان وديعاً، وكان بشوشاً ويعاملها أحسن معاملة، بل كان لمعاشرتها نديماً، ولكن تقدمت بهم السنوات، أصبح من كثرة العمل والتعب يبحث على الراحة بعيداً حتى على العلاقة الحميمية التى تجمع الأزواج.

عادت إلى رشدها بعد ان سرحت في الذاكرة وبدأت تكتب مرة أخرى ؛ 

“لعلني أهرب الآن للكتابة لأتنفس فيها وأنسى تلك الأوجاع، أو الأوهام، هناك من هم بحياتي لهم دور كبير هم أبنائي، أصدقائي، أنسى معهم تلك الأشياء”

 وتذكرت صديقتها الحميمة التي تركض إليها وتكون لها أحسن أنيس وتجد عندها راحة البال لأنها تسمعها وتنسيها آهاتها وهي من شجعتها أن تكتب مذكراتها بل من فتحت صندوقها الأسود الموجود في الأعماق وظنت أنه لا أحد يمكنه ان يدخل عالمها الخاص، بل هي نفسها استغربت كيف هذه الأشياء التى ظنتها قد أصبحت من الماضي ونسيت أن تخرج من الوجدان وأن تكتبها فوق دفتر الذكريات.

ألقت على نفسها العديد من الأسئلة ودونتها في دفترها ظناً منها أنها ستجد الجواب أو أنها ستشعر براحة البال، ولكن لم تجد إلا القلم والدفتر هم أنيسا ليلها الطويل، فقالت: 

هل أنا أصبت بالجنون حتى أحادث نفسي والقلم قد يجف حبره او الدفتر قد يتلف ويبقى في طي النسيان؟ ، هل حقاً يجب أن أكتب كل هذا؟ أو أن أكتم ما بداخلي حتى آخر الأنفاس، ولا ابوح بما يختلج الصدر والوجدان؟…….

 هل من المعيب على المرأة أن تحاكي وتكتب في هذه المواضيع لأنه من العيب الولوج إليها لأن هذا يقضُّ مضاجع الرجال؟ أليست المرأة لها إحساس وكيان… كتبت وبقيت اسئلتها دون إجابات، حتى غلبها النعاس، وتركت الدفتر مفتوحاً لعل زوجها عند إستيقاظه يهتم ويقرأ ما كتب بالدفتر؟ أو انه سيواصل اللامبالاة؟؟؟


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى