توب ستوري

مُعلومة تهمك .. متحف جوتنبرج

معلومة تهمك .. متحف جوتنبرج
 ■ متحف جوتنبرج ■ 


كُرِّسَ هذا المتحف حصرياً لفن الطباعة و لمخترع الطباعة بالحروف المنفصلة يوهانز جوتنبرج .. حيث يقتفي القائمون على هذا المتحف تاريخ الكلمة المطبوعة بدءاً بالألواح البابلية المسمارية قبل ٤٥٣٨ سنة و انتهاء بأحدث آلات صف الأحرف بطريقة التصوير الضوئي . و إلى الكتب الثمينة يَضُم المُتحف ٧٠ ألف غلاف كتاب و ٦٠ ألف ملصق إرشادي للكتاب و آلاف النماذج الكتابية بخط اليد و بأحرف الطباعة و الصحف ذات الأهمية التاريخية ، كذلك أوراق اللعب و الإكليشيهات . و في المُتحَف أيضاً أصغر طابِعَة في العالم لكتاب صلاة لا يزيد حجمه عن قيد أُنمُلَة في سبع لغات . و يَفِد إليه ربع مليون زائر سنوياً من كل أنحاء العالم . 

في الطابق الأول من المبنى الرئيس.. نرى التوراة معروضة في مجلدين : عهد قديم و عهد جديد . و كلاهما مضاءٌ بمصابيح معدنية. حيث أعيد اكتشاف هذين الكتابين في تركة ورثة البرنس البريطاني جورج شاكبورج عام ١٩٥١ م،  و هما مغلفان بالجلد المراكشي القرمزي المذهب الأطراف.  و لم يفقد الورق شيئاً من لمعانه و لم تفقد الألوان شيئاً من رونقها . كل الصفحات مزخرفة ،  و الحروف الأولى و رءوس الأعمدة و النقوش كلها مرسومة باليد بألوان الأحمر و الأزرق و الذهبي . ومن أصل ٢٠٠ توراة تقريباً بدأ جوتنبرج طباعتها عام ١٤٥٢ م، لم يبقَ سوى ٥٠ نسخة تقريباً و هذه المجلدات الموزعة في ١٣ بلداً تُعَدُّ من أفخم الكتب التي طُبِعَت . 

●● فجر الطباعة : 

في قبو المتحف يتولى عامل فني حرفي تشغيل آلة الطباعة تماماً كما كانت مستخدمة قبل ٥٣٨ سنة فهو يضع أولاً قالباً لأحد الحروف في آلة سكب يدوية . بعد ذلك يستخدم مغرفة ليسكب في القالب مزيجاً معدنياً من الرصاص و القصدير و الأنتيمون مصهوراً في حرارة ٣٠٠°م . و بمجرد تبريد المعادن المصهورة .. يتولد حرفاً طباعياً في التو و اللحظة. 

يضع الطبّاعُ الحرف مع الحروف الأخرى التي صبها ، في مصف خشبي ، ليؤَلِّف منها سَطراً كاملاً . بعد ذلك يُرَتِّبُ الأسطر واحداً تلو الآخر ليشكل منها صفحة كتاب . ثم يُحَبِّر الصفحة باستخدام كرات حبر مصنوعة من الجلد و محشوة بشعر الخيل ، و بعد ذلك يضغطها في آلة طبع يدوية. ثم يدير بخفة لولباً من الخشب ، فيكبس صفحة مبللة من الورق على صفحة الأحرف التي تُطبَع صورتها على الورقة. و قد تُقَدَّم صفحة مطبوعة إلى الزوار كتذكار . 

يصعب علينا اليوم أن نتصور عهداً بلا طباعة . و لكن قرابة العام ١٤٠٠ م كانت الكتب لا تزال تخرج من بين أيدي الرهبان ممن كانوا يخطونها بجهد مضنٍ يستغرق سنوات. أما الطباعة بالصفحات المحفورة ، حيث تُحفَر صفحة الكتاب كاملة كقطعة واحدة ، فكانت تستهلك وقتاً طويلاً ، كما كانت المحفورات البارزة تبلى من تكرار استعمالها. و قد ولدت الطباعة الحديثة حين خطر ببال يوهانز جوتنبرج أن الطباعة ممكنة آلياً عن طريق صنع أحرف من المعدن منفردة يمكن استعمالها تكراراً. 

●● موجة عارمة : 

لا يُعرَف سوى القليل عن يوهانز جوتنبرج.  فهو ابن عائلة ارستقراطية كانت تمتلك مزارع تعرف باسم جوتنبرج ، و هو اللقب الذي اتخذه يوهانز لذاته فيما بعد . و قد يكون وُلِدَ في ماينز قرابة العام ١٣٩٧م . و رغم ارسقراطيته فإنه قُبِلَ بنقابة رابطة الحرفيين في ستراسبورج و عمل في الصاغة و قطع الجواهر و صقلها. و كان ينفق كل فِلس يُحَصِّلُه على تجاربَه الطباعية. 

و حين عاد جوتنبرج إلى ماينز في شهر أكتوبر ١٤٤٨ م ، كان الحَرف الميكانيكي الذي ابتدعه لا يزال في مرحلة بدائية . فاقترض مبلغ ١٦٠٠ جيلدر من أحد القلة الأوائل ممن يدركون الإمكانات الكامنة في عالم الطباعة . و كان هذا المبلغ في ذلك الوقت ثروة كافية لشراء بضع مزارع و منازل بالمدينة. فاستخدم جوتنبرج نحو ٢٠ مساعداً و اشترى رقائق مصنوعة من جِلد ٨٠٠٠ عجل و كمية من الورق الفاخر من شمال إيطاليا. و كان عماله ينضدون الحروف بسرعة  ٢٥ حرفاً في الدقيقة ، و كان لديه ستة مكابس ( مطابع ) تعمل في آن معاً. و بحلول أواخر خريف ١٤٥٥م تم إنتاج ٢٠٠ نسخة من التوراة في طبعة أنيقة. بيد أن جوتنبرج الذي كان غارقاً في الديون لم يتمكن  من بيع كتبه التي كان ثمن الواحد منها يتراوح بين ٤٠ و ٥٠ جيلدر . فقد أوقع يوهان فوست ( الدائن ) الحجز على أملاكه سداداً لدينه و منحته المحكمة كتب التوراة التي طبعها جوتنبرج و معها مشغله . و هكذا رحل هذا المخترع العظيم ( يوحنا جوتنبرج ) فقيراً في ٣ من فبراير ١٤٨٦ م . 

لكن اختراع جوتنبرج انتشر سريعاً بأنحاء أوروبا مثل موجة بحرية عارمة . و بحلول العام ١٥٠٠ م تم طبع عشرة ملايين نسخة من مجموع ٤٠ ألف كتاب صدرت في ٢٧٠ مدينة. و كانت بعض المدن تفاخر بأن فيها ٤٠ مطبعة. و كان في البندقية ( فينيسيا الإيطالية ) وحدها ١٥١ مطبعة. 

●● المبدأ واحد : 

تظهر التحف المعروضة في ٦٤ صندوقاً في الطبقة الأولى من متحف جوتنبرج كيف انتشرت المعرفة عن طريق الطباعة . فالزائر يرى بالمتحف أطلساً مفتوحاً طُبِعَ عام ١٤٨٢م في مدينة أولم الألمانية،  يبين كيف بدا العالم لكولومبوس . و بعد عشر سنين أبحر كولومبوس حاملاً مثل هذه الخرائط المطبوعة ليكتشف العالم الجديد . و قُرب الأطلس توجد الطبعات الأصلية لكتب الطب و كتب الأطفال زاهية الألوان.  

لولا الآلة الطابعة ما كانت أفكار “مارتن لوثر” الثورية تحقق انتشارها السريع . و حين صدرت عام ١٥٢٠ م آلاف النسخ من جدليته الشهيرة ” نداء إلى النُبَلاء في الأمة الألمانية ” و أخذت تتنقل من يَدٍ إلى يد ، أعلن ذلك المُصلِح بحماسة : ” إِنّ هذه النعمة العظيمة لا يُمكِن التعبير عن عظمتها بالكلمات . فبفضلِها تُحفَظ جميع إنجازات الفن و العلم و يُضاف إليها و تُنقَل إلى أجيالنا القادمة ” . 

حضت فكرة الراحل جوتنبرج على المزيد من الطفرات .. ففي شهر نوفمبر ١٨١٤ م صنع الفريق الألماني المكون من : فريدريك كونيج و أندرياس بوير ، أول مطبعتين بخاريتين من النوع ذي الأسطوانة المسطحة لحساب صحيفة ” تيمس ” اللندنية . و في السنة التالية بلغ عدد ما طبعته الصحيفة ٥٠٠٠ نسخة لكل عدد ، فكان انتشاراً مذهلاً آنذاك. و هكذا شاع نبأ هزيمة نابوليون في معركة واترلو بسرعة لم يسبق لها مثيل في ذلك الوقت . 

و لم تكن هذه سوى البداية . و في قبو المتحف آلات إلكترونية لصف الأحرف بالتصوير الضوئي تُظهِر المدى الذي بلغه اختراع جوتنبرج . يقول أحدهم : في طاقة هذه الآلات صف ثلاثة ملايين حرف و شكل ، في ساعة واحدة . و في زمن جوتنبرج كان يُعاد سبك الحروف و صفها مرةً بعد مرة . الآن يتولى شعاع كهربي صف الحروف بنقاط ضوئية . و لكن حتى هذا اليوم لا يزال المبدأ نفسه الذي أبدعه جوتنبرج قبل أكثر من ٥٠٠ سنة. □

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى