لوحة موناليزا
من التسمية يتضح أن هذا العصر كان بداية التقدم و التطور العلمي والصناعي بعد فترة الركود التي سادت العصور الوسطى.
يمكن تعريف عصر النهضة بأنه مرحلة انتقالية من العصور الوسطى بثقافتها الدينية إلى العصور الحديثة بثقافتها الدنيوية ، فهو عصر انتقال تدريجي من مجتمع زراعي يعتمد اقتصاده على الإنتاج الزراعي و الحيواني إلى نظير صناعي تجاري ، فضلاً عما يقوم فيه من زراعة ، فكان عصر النهضة بمثابة نقلة نوعية حضارية من حياة ريفية إقطاعية جامدة إلى حياة مدنية متطورة سريعة ، تعتمد في نموها على الطبقة الوسطى. و لم تحدث النقلة فجأة ، و إنما تدريجياً على امتداد ثلاثة قرون من القرن الخامس عشر حتى نظيره السابع عشر.
اهتم علماء عصر النهضة بالآداب و المعارف و فنون التصوير و النحت و العمارة بشكل إيجابي ، فتجرأوا في فن النحت على الخروج من شرنقة العصور الوسطى الدينية ، و اهتموا في التصوير بعنصر الحركة ، أما في مجال العمارة فقد شُيِّدَت القصور الشامخة والكاتدرائيات والمباني وتزينت بأجمل اللوحات التصويرية و أروعها حتى تحولت إلى قطع فنية.
و يُعَد ليوناردو دا فينشي Leonardo da Vinci ( ١٤٥٢ – ١٥١٩ م ) – الذي عاش في “فلورنسا” بإيطاليا – أحد عباقرة عصر النهضة ، فقد أتقنَ التصوير و الرسم و تفوق في علوم أُخَر مثل الرياضيات و الهندسة و علم التشريح و علم وظائف الاعضاء و النحت و الموسيقا و الشِعر ، و تعد لوحة موناليزا Mona Lisa من أشهر لوحاته الزيتية على الإطلاق. قام فنانو و علماء و مهندسو النهضة الإيطالية من أمثال مايكل أنجلو Michelangelo ، و رافائيل Raphael ، و فرانسيسكو دي جورجيو Francesco di Giorgio و آجوستينو راميللي Agostino Ramelli بالإضافة إلى ليوناردو دا فينشي ، قاموا جميعهم بأبحاث و تجارب و تركوا أفكاراً و مخترعات تمثل ما تصوروا أن تكون عليه الصناعة و المخترعات في المستقبل.
■ ليوناردو دا فينشي ■
Leonardo da Vinci
( ١٥٤٢ – ١٥١٩ م )
و قد كان ليوناردو دا فينشي صاحب النصيب الأكبر ؛ إذ ترك سجلاً يضم ٥٠٠٠ صفحة امتلأت برسومات و تصميمات من خياله ، و أفكار لتصميم الماكينات و التوربينات و الطائرات و الأسلحة و غيرها ، بعضها كان ممكناً بلغة تلك العصور ، و بعضها الآخر أضحى حقيقة في القرون اللاحقة. و لعل تصميمه و دراساته لكاتدرائية مدينة “ميلان” خير دليل على خبرته و ذكاءه كمهندس معماري . فقد قام أيضاً بعمل دراسات مستفيضة لتصريف المياه أثناء حركتها و كيفية استغلال طاقة المياه و الانتفاع بها ، كذلك قام بتصميم القنوات و الأهوسة بل و طرق إنشاءها ، كمثال لذلك ما تركه من آراء عن بناء الأهوسة ( تجميع هويس ) و طرق تشغيلها و لاتزال صالحة حتى يومنا هذا. إذ تمثل أعماله أحد الأسس المهمة التي استند إليها علم الموائع الحديث fluids . و قام أيضاً بتصميم أنواع متعددة من أسلحة الحرب ، كما تعاظمت خبرته في بناء التحصينات العسكرية الفذة.
ازدهرت الصناعة في ذلك العصر فاستخدم الطليان منذ القرن الخامس عشر طاقة المياه – الممثلة في طواحين المياه – في إدارة الآلات ، و قد نشر آجوتستينو راميللي Agostino Ramelli مجلده في العام ١٥٨٨ م ، الذي يضم عديد التصميمات لطواحين الهواء ، بعضها كان متاحاً آنذاك ، و هو ما أخذت به إنجلترا في بداية حركتها التصنيعية في القرن ١٨ ، و تطورت الصناعة إلى النظام المنزلي و هو بمثابة اللبنة الاولى للنظام الرأسمالي السائد في العالم الغربي فيما بعد.
مع وجود علماء العلوم الطبيعية في القرنين ١٦ و ١٧ أمثال” جاليليو ” و “كبلر” و ” ديكارت ” ، اهتم علماء عصر النهضة بالفيزياء و الرياضيات و الفَلَك مستمدين أعمالهم من أعمال سابقيهم علماء و مخترعي العصور الوسطى. فقد برع” جاليليو جاليلي” Galileo Galilei ( ١٥٦٤ – ١٦٤٢ م ) في العلوم الطبيعية و الرياضيات و الفلك ، كان إسهام ” جاليليو ” الأساس في نظرية “السقوط و القذف” عام ١٦٠٤ م ، حيث صيغت في قالَب هندسي نظراً لقصور علم الجبر آنذاك ، و فيما بعد تمكًّن العالِم ” إسحاق نيوتن ” Sir Isaac Newton من صياغتها في قالَب رياضي . و يُعد جاليليو رائد علم الفلك the Astronomy و كذا الفيزياء التجريبية the Experimental Physics . حقق علم الفلك خطى و اسعة من التقدُّم في زمن جاليليو ، فقد قام في العام ١٦٠٩ م ، بتصميم و تنفيذ تليسكوب ذي قوة إبصار عالية power telescope – ٢٠ ، مما ساعد في اكتشاف عديد من الحقائق الكونية. أما ديكارت Descartes و كِبلر ، فكان لهما عديد الأعمال فيما يتعلق بين الرياضيات و العلم الطبيعي و التي كانت سبباً في دفع عملية التطور العلمي . احتلت الرياضيات موقعاً مرموقاً من التطور العلمي منذ القرن ١٧ لاسيما في الجبر الرمزي Abstract Algebra ، و الهندسة التحليلية Analytical Geometry ، و حساب التفاضل و التكامل Calculus.
في نهايات عصر النهضة انحسرت الهيمنة الطليانية ، و بزغت حضارات دول أخرى بأوروبا الغربية ، فقد نشر مثلاً العالم الألماني جورجيوس أجريكولا Georgius Agricola في العام ١٥٥٦ م كتابه عن طرق استخراج و معاملة المعادن ، كما كتب عن الطب و الجيولوجيا و الاقتصاد ، و منها بدأت نهضة صناعية بإنجلترا في بداية القرن الثامن عشر.
