توب ستوري

الكاتبة سميا دكالي تكتب .. امتحان صعب (قصة قصيرة)



زوابع رملية عصفت بأرجاء المكان حجبت عن أحمد الرؤيا، كان يحمل باقة ورد بيده بكل حرص محاولا صد العاصفة، وكله خوف أن تقذف بباقته في قلب البيداء، لتصبح طعاما سائغا للرمال بعد أن تحرقه أشعة الشمس وتذبل أوراقها. 


مشى بخطى متثاقلة وهو يخشى أن تكون البداية غير موفقة فتتوقف بسببها أحلامه التي طالما رسمها في مخيلته، وكبرت معه إلى أن حان وقتها ليختطفها فتصبح حقيقة، وصل أحمد إلى البيت المقصود ذاك المكان الذي طالما شاهد فاتنته خلسة وهي تطل من الشرفة، مد يده بارتعاش ثم ضغط على جرس الباب ليسمع صوت رجل من الداخل وهو يسأل عن الطارق.


انتابته رعشة صحبتها حرارة لينعقد لسانه عن الكلام، إحساس غريب امتكله وكأنه سيجتاز أصعب امتحان وهو من واجه معارك في الحدود وحمل بندقيته للدفاع عن الوطن وحمايته من الأعداء،كيف له الآن أن يقف عاجزا أمام فتاة ملكت قلبه حتى سلبته قوته؟ هي الآن كل الوطن بالنسبة له سيعمل المستحيل للحصول عليها لن يتركها تفلت منه.


فُتح الباب ليجد نفسه أمام رجل خمسيني العمر ملامحه حادة أمره بالدخول وعلامة الاستغراب بادية على وجهه، أما أحمد فقد شُلت فرائصه من التوتر والخوف، إلا أنه أمام لهفته الجامحة تمكن من أن يخطو نحو الداخل، وفي كل خطوة كانت دقات قلبه تسابق الثواني كلما اقترب موعد الامتحان حتى ما عاد للوقت قياس.


لقد تشجع أخيرا عليه أن يحل عقدة لسانه ليتكلم بتلقائية وبثقة لما جاء من أجله، أجلسه الأب في الصالة ورحب به بابتسامة رسمها على وجهه ليخفف عنه من صعوبة الامتحان، استطاع حينها أحمد أن يحكم القبضة على زمام الأمر فعرض رغبته بعد أن عرّف بنفسه لتخرج الكلمات من فمه مبعثرة، فهمها الاب بعد تخمين مطلقا ضحكات متتالية سمعها كل من في البيت، كاد أن يتوقف قلب أحمد لولا أن الرجل مد يده مصافحا إياه وقد قبل به وهنأه.


تمكن أخيرا أحمد أن يراها خلسة داخل المطبخ وهي تعد الشاي مع أمها بصمت أخرس وحياء، أسند جسده على الأريكة وقد تنفس الصعداء وبيده مسح العرق المتصبب من جبينه وكأنه كان يخوض أكبر المعارك، لقد فاز في الامتحان أخيرا.


هي الآن وطنه الذي سيدافع عنه، فيه سيلود إليه من كل المخاوف التي ستواجهه، ستكون مأمنه وسكينته كما سيستأنس فيه من وحشة الغربة لتغدو له كسفينة أمن وهو مرفأ أمان لها.

كاتبة مغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى