توب ستوري

سميا دكالي تكتب.. متعة النسيان (قصة قصيرة)



بقيت أمل نائمة هذا اليوم لم تستفق رغم تسلل ضوء الصباح عبر شقوق نافذتها، قررت بينها وبين نفسها أن تنسى كل ما حواليها، بل وأن تختزل تلك السنين التي قضتها وهي تُنهِك ذاكرتها طالبة منها أن لا تنسى شيئا، عليها أن تحررها من قيدها، وأن تعود عند تلك الفتاة المشرقة بابتسامتها، والتي أحبت الحياة بكل مافيها قبل أن تعرف ما فيها.

نهضت من فراشها. تجاهلت ما عليها فِعله لم تسمح لذاكرتها أن تذكرها، بأمر من النسيان امتثلت. ازاحت الستار فتحت نافذتها كان الجو باردا. فصل الشتاء على الأبواب، لم تأبه له استنشقت كل الهواء وكأنها لأول مرة تتنفسه، من المؤكد أن ذلك يحسسها بطعم الحرية. 


لقد قررت أن لا تسأل عن أي أحد ولا تجيب أحدا، وكأنها ليست موجودة. ستعود إلى زمنها ذاك الذي كانت تجد نفسها فيه، تحسست دولابها أخرجت ألبوم صورها، لتقف عندها. ستخبرها أن لا تستعجل في رسم حياتها بل أن تحياها كما هي ولتتركها هي تأتي عندها. ما لبثت أن انتقلت إلى مكتبتها جالت ببصرها الى كتبها، انتابها الحنين إلى أول رواية قرأتها تراها أين هي الآن؟ لم يعد سوى اسمها تردده “بائعة الخبز” للروائي الفرنسي كازافييه دومونتبان، ترى هل مازال يتهافتون عليها أم أطالها النسيان؟

لكن هي ما نسيتها لأنها أسعدتها، وهي تقضي لحظات مع أبطالها وكأنها تعرفهم، فيها بدأت تعي أن الحياة لم تكن يوما كلها حبا وخيرا بل هناك من يتربص للإيقاع بالغير مستخذما أساليب الشر وقد تفنن فيه. كانت تستمتع بلحظتها والدهشة تملأها لقد نسيت حاضرها بكل ما فيه، بعد أن استحضرت ماضيها. أعادت معها تلك المتعة التي افتقدتها مدة طويلة من الزمن.

الآن تحررت أمل من عبء أحداث اليوم ومفاجآته وحتى المستقبل لن تفكر فيه، ليغدو الكل في طي النسيان.

لن تتذكر سوى من نسيتهم الأيام لتزيح عنهم الغبار وتحيا معهم وكأنها بداية حياتها بل كل حياتها.

ظلت على تلك الحالة إلى أن أحست أمل بيد تمسح على رأسها لقد كانت ابنتها، فتحت عينيها لتجدها وابنها بقربها.

 -سألتها ماذا حدث؟ 

كان رد ابنتها:

-لقد أغمي عليك أمي بعد عودتك من مشوارك الذي ما رغبت في قضائه، ما كان عليك أن تطيلي البقاء تحت أشعة شمس الخريف.


لكن أمل لم تفرح لاستعادة وعيها وذاكرتها بل تمنت أن لو بقيت في غيوبتها، تعلم أنها هناك كانت ستحيا وما رغبته هي لا كما اختير لها. فوعيها الآن لن يمكنها من إرغام النسيان الحضور إليها مادامت الذاكرة هنا هي الآمرة والناهية.


        كاتبة مغربية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى