آراء حرة

علاء رزق يكتب.. التوجهات المستقبلية للإقتصاد بين الترسيخ والتعجيل (٢)

تناولنا في المقال السابق كيف ساعدت الإصلاحات الإقتصادية التي بدأتها مصر في نوفمبر 2016 على تحقيق حزمة من النجاحات في ظل أزمات عالمية متوالية، تصاحبها درجة عالية ومتواصلة من درجات عدم اليقين، هذه الإصلاحات إرتكزت على تقديم مصر برنامج إقتصادي قابل للتعاون وتبادل للخبرات.

 

وهذا ما نلاحظه اليوم عبر مشاركة مصر الفاعلة في “القمة الدولية لميثاق التمويل العالمي ” المنعقدة في العاصمة الفرنسية باريس، فهذه القمة تركز على قضيتى التمويل ، والدعم الفنى ،عبر الدعوة إلى إعادة إحياء إتفاقيات التمويل بشكل عام ،ورسم الخطوط العريضة للنظام المالي العالمي في ظل نظام عالمي جديد يسعى إلى إعادة خريطة التمويل العالمية.

 

ويستهدف تطوير آليات التمويل بشكل عملي، مع تجاوز للطموحات عبر مجموعة من الركائز أهمها تعزيز دور القطاع الخاص في عملية التنمية للمساهمة في تفعيل مبدأ الحياد التنافسي ، والمساهمة الدولية في مواجهه زيادة معدلات التضخم العالمي، عبر إتباع سياسة نقدية عالمية أكثر تيسيرا، مع التكاتف العالمى ضد الآثار الضارة لمشكلة التغير المناخي، والتي نجحت فيها مصر عبر إستضافتها لقمه المناخ كوب ٢٧ فى نوفمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ المصرية، حيث تم الإتفاق على ربط تمويل العمل المناخي بمجالات الطاقة والتكيف مثل الغذاء والماء، أهمية هذه القمة الفرنسية، أنها تركز على الهدف الذي تسعى إليه مصر خلال الفترة الماضية، من إقرار برنامج للإصلاح الإقتصادي، مدعوماً بمشاركات مؤسسات دولية أهمها صندوق النقد والبنك الدوليين للدعم الفني والتمويل ، وهو الأمر الذي يمثل أهمية للدور الفاعل لمصر على مستوى الإقتصاديات الناشئة بشكل عام ، فسعي هذه القمة الدولية فى فرنسا إلى معالجة الإختلالات الهيكلية الموجودة بنظام التمويل العالمي والتي تتطلب تبني ودعم دولى لإستراتيجية سياسة إحترازية كلية ، ترتكر على ضرورة تحديد المخاطر النظامية الناتجة عن الصدمات والإختلالات الإقتصادية والمالية العالمية ،مع المشاركة في وضع إطار تحليلي لمراقبة المخاطر الكلية، عبر مجموعة من الأدوات التحليلية لمتابعة التأثير على المؤسسات المالية ،وتداعيتها على الإقتصاد الحقيقي.

 

وكذلك إستخدام مجموعة من الإنذار المبكر لتحديد مدى إمكانية حدوث هزات في: أداء الحكومات المالي، وسعر الصرف ، مع تحديد لنقاط الضعف في الأنظمة المالية على المستويين الكلي والجزئى، كذلك السعي نحو ادارة للمخاطر النظامية، وعرض للمخاطر المالية لمنح جوازات سفر مقابل الإستثمار، وهو الهدف الذي تسعى إليه الإقتصاديات الناشئة ومنها مصر، تدعو وتطرح هذه القمة، إرساء قواعد لنظام مالي عالمى جديد يكون أكثر عدلا وتضامنا، لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومن بينها الحد من الفقر ، ومواجهة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي ، وهو الطرح الذي يطرحه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، عبر مشاركته لطرح رؤية مصر الجديدة حول الشراكات من أجل نمو أخضر، وتعزيز صمود الدول الأكثر هشاشة في مواجهه الصدمات الإقتصادية، وتداعيات التغيرات المناخية ، التوجه المصري نحو خلق فرص للتوظيف والنمو مدفوعة بكثافة الإستثمار في البنية التحتية، والإبتكارات التكنولوجية بحيث تكون مدعومة بقطاع خاص يتسم بالديناميكية، يمثل التوجه، والإطار العام للتوجهات المستقبلية للإقتصاد المصري، والمرتبطة أيضاً بالشراكة من أجل نمو أخضر.

وبالتالي فإن توجه نظام التمويل العالمي بدايه من مؤتمر كوب ٢٧ نحو إقرار سياسة مالية عامة تساهم في التصدي للطوارئ المناخية، وتناقش دور القطاع الخاص في مكافحة المناخ ،يمثل أهم التحديات على الساحة الدولية الآن، ويجب النظر إلى أن زيادة عدد الأسواق الصاعدة، وهو المسمى الذي يطلق على الإقتصاديات الناشئة، يساهم إلى حد كبير في ترسيخ دعائم الإستقرار المالي العالمي ، كما أن موقف الإحتياطى الفيدرالي الأمريكي عقب تخليه عن سياسته النقدية التشددية، سيكشف النقاب عن مواطن الضعف في الأسواق الصاعدة المثقلة بديون خارجية خاصة. وبالتالي فإن التوجهات المستقبلية للإقتصاد المصري تقوم على تعزيز دور المؤسسات المالية في خلق عالم أكثر عدالة، مع الدعوة إلى إفصاح البنوك المركزية الدولية بشفافية أكبر عن الآثار التوزيعية للسياسة النقدية المتبعة، فالحاجة لعقد إقتصادي، ومالي ،وإجتماعي جديد يلائم القرن الحادي والعشرين أصبحت امرا ضرورياً الآن، ودعوة مصر إلى إعادة بناء عالم ما بعد كوفيد 19 ، يحتم ضرورة السيطرة على الأتمتة، لتخفيض عدم المساواة المتزايد.

كذلك الدعوة إلى أن تكون السلع العامة داعمة لإبتكارات القطاع الخاص ، حتى تعود التكنولوجيا بالفائدة على الجميع ،وبالتالي فإن توجه صناع السياسات إلى الإستثمار في التكنولوجيا الإبتكارية لتخطي العقبات أمام التنمية الإحتوائية ،اصبحت ضرورة حتمية، لأن غياب التعاون الدولي سيؤدي إلى الإنشقاق في الاقتصاد العالمي أكثر مما هو عليه الآن، وسيدفع ثمنه الجميع ،وبالتالي فإن الإستثمار في السياسات من أجل البشر، سيساعد على تشكيل نظام مالى ،وإقتصادى أفضل لعالم مرتقب جديد ، وبالتالي فإن التوجهات المستقبلية للإقتصاد المصري يجب ان تقوم على ضرورة أن ينفتح علم الإقتصاد على الرؤى الجديدة التي تطرحها العلوم الأخرى، المدعومة بالبحث العلمى ، حتى لا تتزايد الإنقسامات الإقتصادية، والإجتماعية القائمة، وتتزايد التحديات أمام الحكومة التي باتت تعاني من زيادة إحتياجات الإنفاق المرتبطة بزيادة التضخم من ناحية، وزيادة عدد السكان من ناحية أخرى.

التوجهات المستقبلية للإقتصاد المصري ترسخ إلى ضرورة إعادة صياغه هيكل إقتصادي وطنى لكي يتوافق مع مستقبل أكثر إنصافا وإستدامة ،يسعى لخلق فرص للتوظيف ،والنمو، مدفوعا بكثافه الإستثمار في البنية التحتية والإبتكارات التكنولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى