فن وثقافة

سميا دكالي تكتب.. المنسية (قصة قصيرة)

المنسية ( قصة قصيرة )

 

كانت تجر أذيال الخيبة بمشيتها المتثاقلة، أوصدت العجوز باب بيتها المتواضع والآيل للسقوط وأكملت طريقها، لم يخطر يوما ببالها أن تتركه فما عاد بحوزتها شيء تملكه سواه، فيه قضت معظم عمرها تقريبا، لقد كان كل ما بداخله من آثاث وذكريات يذكرها بالماضي كيف لا ؟ وهم من رافقوها طوال مشوار حياتها ما خذلوها، يحيون معها لحد الساعة ” ظلوا مخلصين لي، ليسوا كالذين تركوني ليرحلوا عني وقد جرفتهم فتن الحياة” هكذا كانت تردد حليمة بينها وبين نفسها.

فقدت رفيقها منذ عهد قديم، لتغدو منسية كتحفة أطالها الغبار، لم يتبق لها الكثير بعد أن فتكت معظم الأمراض بجسدها النحيل، والذي لم يعد يقوى على صد المزيد من الآلام. هو شعور بات يراودها خصوصا عند هجوم ذاك الوباء الذي أصبح يتراءى لها كشبح يترصدها في كل مكان، تخشى أن لا تفلت من قبضته، لتكون نهايتها على يده.

كل مساء مع غروب الشمس عند اقتراب آذان المغرب تقصد المكان الذي فيه يجتمع كل من رمته الأقدار هناك، ليتقاسموا فطورا بسيطا بمناسبة شهر رمضان. وجبات تتطوع بتقديمها بعض القلوب الرحيمة، شربة ساخنة وقطعة خبز وبعض الثمرات تكفيها لسد رمق جوعها. ما كان يهمها هو أن تتبادل أطراف الحديث مع رفقة طيبة، أكيد أصبحت تمثل لها أسرتها، حليمة تدرك أنها اذا عادت لبيتها لن تجد من يكلمها سوى نفسها.

سألتها رفيقتها التي كانت تتناول وجبة الفطور بجانبها :

– هل مازال لم يفكر أحد من أولادك أن يسكنك معه؟

أجابتها محاولة حبس دموعها:

– مع الأسف ما بحث عني أحدهم، انعدمت الرحمة في القلوب الكل غدا يفكر سوى في نفسه، لكن ربما ذلك خيرا، أحبذ أن لا أكون السبب في اختلاق أية مشاكل.

ردت عليها رفيقتها:

-اتفهمك عزيزتي لا تقلقي، فكما تدين تدان والزمن يدور هم أيضا لهم أولاد.

حينها أجابتها حليمة:

– أدعو لهم بالخير على الدوام، يظلون أولادي وأسامحهم من كل قلبي، كما أنني لا أريدهم أن يذوقوا مرارة الحياة التي عشتها وأحياها، فليس هناك أصعب من حياة عجوز منسية، وكأنها ما مثلت شيئا لأحد يوما.

قضت حليمة بعض الوقت تثرثر مع رفيقتها لم تشعر بالساعات التي مرت، ودعتها لتعود إلى البيت، وما إن أدارت المفتاح من ثقب الباب حتى استقبلها الماضي، ألقت نظرها في فناء الدار متخيلة صور الأولاد وزوجها وهم على مائدة الإفطار والضحكات تملأ المكان، وهي بينهم تقدم لهم أصناف الطعام والسعادة تغمرهم. استيقظت بعدها من حلمها إلى واقعها بل عند حاضرها مع الهدوء المطبق رفيقها. 

لم تتمالك حليمة انسابت دمعة من مقلتيها، كيف لها أن تنسى حياة جذور احتواها بيتها؟ ليقتلعها القدر ويلقي بكل جذر في أقاصي أمكنة مختلفة، امتدت أغصانها هناك حتى تفرعت، لتنسى منبتها الأصلي.

حليمة هي الأصل الذي بات منسيا خوفها أن تموت بعد أن ذبل غصنها ولا أحد قد يدري بها. متى ولا كيف انقضى أجلها.

قاصة مغربية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى