علاء رزق

دكتور علاء رزق يكتب.. الطموح الإقتصادي والوضوح الإجتماعي 

 

د علاء رزق

رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام

استطاعت الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية أن تترجم عملية التنمية فى إحداث تغيير جذري في هيكلية المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كافة، من أجل القضاء على مسببات التخلف بالقدر الذي يعالج أسباب الفقر،

ولكن النجاح الحقيقى ارتبط بتدعيم وتعظيم ركائز عملية التنمية القائمة على:

  ـ الشمولية، فالتنمية تغير شامل ينطوي ليس على العامل الاقتصادي فقط، وإنما أيضاً الثقافي والسياسي والاجتماعي. وهو اتضح فى توجه الدولة بالكامل نحو مشروع حياة كريمة والذى تتعدى تكلفته المبدئية تريليون جنية ،والذى يقوم على تحقيق شامل فى كافة نواحي الحياة للقرى المصرية مما يجعلها قادرة علي التكيف مع نوعية الحياة الجديدة وتغير هيكلية الإنتاج 

  ـ حدوث زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي فترة طويلة من الزمن، وهذا يوحي بأن التنمية عملية طويلة الأجل.لذا فإن إصرار الدولة المصرية على تحقيق معدلات نمو مرتفعة مصاحبة لزيادات مضطردة في الناتج المحلي الإجمالي ما هو إلا ايمان بأهمية ان تكون عملية التنمية الإقتصادية طويلة الأجل بما يخدم أهداف إستدامة التنمية.

ويبقى ضمان استمرار حـدوث تحسن فـي توزيع الدخل لصـالح الطبقة الفـقيرة والتخفيف من ظاهرة الفقر. مع ضرورة التحسن في نوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد. والواقع أن العمل على وضع برامج للتنمية الاقتصادية أو الإسراع بها يهم الدول الغنية والنامية على حد سواء. فالدول الغنية ترغب في الإحتفاظ بمعدلات تنمية مرتفعة لتجنب الكساد والركود طويل الأجل.في حين تكون التنمية الإقتصادية مطلباً ملحا للدول النامية كأحد الحلول اللازمة لمواجهة التطرف والحد من تكريس التبعية. ولذلك فإن العوامل الإجتماعية من أكبر أسباب إشعال الصراعات ،وهو ما وجد صداه تحديداً فى أغلب الدول الأفريقية مثل النيجر التى إنفجرت فيها الصراعات نتيجة تبعيتها المطلقة لإحدى الدول الأوروبية وهى فرنسا. لذا فإن إستراتيجيات التنمية الناجحة تسعي إلى ضمان تحقيق التوزيع العادل للدخول والعوائد الإقتصادية ،والثروات للحيلولة دون تفجر الصراعات، وهذا هو مقصد التنمية الاقتصادية. وعلى الجانب الآخر نجد أن قضية تمويل التنمية قضية مجتمعية،ويقدر التمويل اللازم سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بتريليونات الدولارات. ويمكن أن تشمل إعادة توجيه التدفقات الرأسمالية جهوداً تهدف إلى جذب وتعبئة جميع أنواع الاستثمارات، والاستفادة منها. لكن الاقتصاد العالمي يتضمن، من الناحية النظرية، وفورات كافية لدفع عملية التحول هذه، وسيعود ذلك بفوائد على المستثمرين.

ويعد تعزيز قدرة البلدان النامية على وضع نظم ضريبية أكثر فعالية وكفاءة عنصراً بالغ الأهمية في تنفيذ خطة عام ٢٠٣٠. وقد عكفت لجنة الخبراء المعنية بالتعاون الدولي في المسائل الضريبية على تطوير عدد من المنتجات، تشمل التدريب والمساعدة ، بغية توفير التوجيه للبلدان بشأن كفالة تحصيل الضرائب على نحو ملائم، ولا سيما بمكافحة التهرب والتجنب الضريبي. خاصة وأن المقدر تحصيله من الإيرادات الضريبية السنوية 25%من الناتج المحلي الإجمالي ، وفى الحالة المصرية فالمقدر هو تحصيل 3000مليار جنية ضرائب سنوية ،الفعلى حاليا هو 932مليار جنيه فقط مما يؤكد زيادة حالات التهرب والتجنب والتخطيط الضريبى ، وإذا كنا ندرك أن قضية التمويل قضية مجتمعية فإن النصيب الأكبر في تحمل عبئها يقع على عاتق الدولة.والذى تنظر إليه على أنه يعتمد على عدة مصادر هي: المدخرات الوطنية، الإستثمارات الأجنبية،حصيلة الصادرات، الإقتراض (الدين الخارجي/ الدين الداخلي)، المنح والهبات الدولية، ولكن يبقى أن مصدر الإستثمارات الأجنبية هو ركيزة التوجة الإقتصادى المصري فى هذه الفترة خاصة بعد القرارات الجريئة للمجلس الأعلى للإستثمار التى إتخذها برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤخراً ،وفيها ينظر المجلس إلى الإستثمارات الأجنبية على أنها سندا مهماً للدولة المصرية حيث تعوض العجز في المدخرات الوطنية المتاحة للإستثمار، كما أنها تعمل على الحد من مشكلات عبء الديون الخارجية وعبء خدمتها. كما أنها تسهم في حل مشكلة العجز في الموازنة العامة للدولة وما يتصل بها من مشكلات أخرى كقصور التمويل الحكومي عن الإنفاق الاستثماري وزيادة مطردة في النفقات وعدم القدرة على المنافسة في سوق السلع والخدمات. كما أننا نرى كذلك أن الهدف من الإستثمارات الأجنبية هو الإستفادة من الموارد المتاحة (البشرية ـ المادية). مع الوفاء بالاحتياجات المحلية بدلاً من الإعتماد على الاستيراد، وبالتالى فإن إستراتيجية الدولة المصرية فى تعظيم التصدير وتنظيم الإستيراد هدفها الأساسي حدوث تحسن فى توزيع الدخل لصالح الطبقة الدنيا ، وزيادة متوسط الدخل الحقيقي فترة طويلة من الزمن .ولتحقيق هذه الأهداف يستلزم أن تقوم التنمية المستدامة على ركائز ثلاث: الكفاءة الاقتصادية، الكفاءة الاجتماعية والكفاءة البيئية. حيث تعتمد الأولى على الإستخدام الرشيد لثلاث حزم من الأدوات: الأدوات التقنية، الأدوات الاقتصادية، الأدوات الاجتماعية، ويتوقف النجاح على الجمع المتوازن بين الحزم جميعاً. أما الركيزة الثانية فتنظر إلى الكفاءة الاجتماعية على أنها إحدى ركائز التنمية المستدامة التي ترفض الفقر والتفاوت البالغ بين الأغنياء والفقراء ، كذلك تحقيق العدالة بين الأجيال. أما الركيزة الأخيرة وهى الكفاءة البيئية فقد أشار إليها المبدأ الرابع الذي أقره مؤتمر ريو دي جانيرو عام 1992 إلى أنه: لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثل الحماية البيئية جزءا لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير فيها بمعزل عنها. وتم التأكيد على هذا المعنى من خلال المبدأ الثالث حيث تم تعريف التنمية المستدامة بأنها ضرورة إنجاز الحق في التنمية، بحيث تتحقق على نحو متساو الحاجات التنموية لأجيال الحاضر والمستقبل.

ويبقى أن نؤكد أن مسببات النجاح الإقتصادي لا تختلف من دولة لأخرى إلا بقدر التغير في السياق الزمني لهذه التجارب. ولذلك، فمن الممكن تعميم مسببات النجاح الاقتصادي وتجريدها من هذا السياق الزمني، للوصول إلى العوامل الرئيسية التي تسبب هذا النجاح. فالدروس المستخلصة من التجارب الدولية، وفق هذا التعميم، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام تتناول موضوعات التمويل، وتطوير الهيكل الاقتصادي، والانفتاح المنضبط على العالم.

فالاولى تمثلها دول جنوب شرق آسيا التى استطاعت تحقيق المعجزة الاقتصادية عبر التمويل ،والثانية تمثلها دولة الصين والتى قامت بتطوير الهيكل الإقتصادى لها ، أما الثالثة فتمثلها دولة كوريا الجنوبية التى أحدثت انفتاح منضبط على العالم.وفيما يتعلق بتحليل أداء مصر وفقاً للمؤشرات الفرعية المناظرة لأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، فقد حققت مصر أفضل النتائج بالنسبة للهدف الثالث عشر المتعلق بالعمل المناخي، يليه الهدف الثاني عشر الخاص بالاستهلاك والإنتاج المسؤولان، والهدف الأول الخاص بالقضاء على الفقر، والهدف العاشر الخاص بالحد من أوجه عدم المساواة.وذلك بعد قامت الحكومة المصرية قامت بالعديد من الجهود الرامية لتحسين مستويات الحوكمة في مصر في سبيل مكافحة الفساد. وإيجاد مجتمع يدرك مخاطر الفساد ويرفضه ويعلي قيم النزاهة والشفافية، كذلك، تهتم الحكومة المصرية بالضلع الثالث من أضلاع مثلث برنامج الإصلاح الإقتصادي الثانى وهو التحول الرقمي لما له من دور مهم في تطوير وتحسين أساليب التكنولوجيا. ومن ثم، فلقد قامت الحكومة باتخاذ العديد من الخطوات الجادة في ذلك الشأن، مثل تطوير وميكنة خدمات الشهر العقاري، والسجل المدني، وتحصيل الضرائب، والفواتير الإلكترونية، وبوابة مصر الرقمية…إلخ. وذلك بهدف تحسين الأداء العام للمؤسسات والجهات الحكومية والخاصة، وتعزيز المساءلة والشفافية، وتقليل فرص التلاعب والفساد، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين والمواطنين في النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد، مما سينعكس بالإيجاب على تحسين مستويات الحوكمة، والتي ستنعكس بدورها بالإيجاب على تحقيق بقية أهداف التنمية المستدامة. وما نؤكد عليه أن اتجاه التقدم المصرى نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتقدم بالمعدل المطلوب والذي يمكن معه تحقيق الهدف الأساسي بحلول عام 2030 وهو أن يكون الاقتصاد المصري من أفضل 30 اقتصاد على مستوى العالم.وبالتالى فإن تحسين مستويات الحوكمة والشفافية يمكن أن يساهم في الإسراع بوتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر بصفة عامة، فالحوكمة الرشيدة تعد أحد الركائز الأساسية لأهداف التنمية المستدامة، فهي ترسخ مبادئ المساءلة والشفافية والكفاءة وسيادة القانون على جميع المستويات، وتسمح بالإدارة الفعالة للموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية من أجل تحقيق التنمية المستدامة. وهكذا، فإن العمل على مكافحة الفساد وإيجاد مؤسسات فعالة وشفافة وتخضع للمساءلة على جميع المستويات يساهم في دفع أهداف التنمية المستدامة بشكل كبير. كما يستلزم الأمر أن تقترن تلك الجهود بجهود أخرى تسعى لتشجيع الشركاء الرئيسيين وأصحاب المصالح على لعب الأدوار المنوطة بهم في تحقيق التنمية المستدامة، خاصة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لما لهما من دور فعال في مساندة الحكومة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. تحليل أداء مصر وفقا للمؤشرات الفرعية المناظرة لأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر هو الدعم الحقيقي لجهود الدولة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى