آراء حرةسمير المصري

دكتور سمير المصري يكتب. في زمن رخص فيه الكلام

في زمن رخص فيه الكلام

 

 

 في زمننا الذي اصبحت فيه أعظم الأشياء رخيصة، واصبحت المبادئ والمفاهيم تحمل معنى آخر ، فالكذب أصبح مجاملة ، والنفاق ولبس الأقنعة شطارة ، والتلون وتغيير المواقف والمبادئ كل يوم ، والسكوت على الظلم مسالمة وتكتيك . 

 

 وحدها كلمة الحق ظلت عزيزة وغالية الثمن ، يخشى الكثيرون أن يدفعوا ثمنها ، ويستحون منها إن لمعت في تفكيرهم .

 

 أنها تعايرهم بجبنهم ، فكم مرة رأى إنسان في محيط عمله ظلما وتعسفا بحق الآخرين ، أو رأى ما لا يجب السكوت عليه من فساد ومحسوبية وطأطأ رأسه ، ومضى في سبيله خوفا على رزقه أو منصبه !

 

ألا يذكر بعضنا أنه صمت عن كلمة لو قالها لردّ ظلما عن مستضعف ، أو حفظ حقا لصاحبه ، أو كف ألسن الآخرين عن تلويث سمعة غائب ، 

كل ذلك من أجل استرضاء الآخرين وخوفا من إثارة واستفزاز الأصدقاء والمقربين؟

 

 حقيقي … قد تدفع كلمة الحق بصاحبها الى زاوية صعبة، ولكن عدم قولها يضعه في مواجهة مع نفسه ومع التزامه الأخلاقي ، واحترامه لذاته ويجره إلى دائرة من السلبية والنفعية جرت إليها الكثيرين .

 

 من قبل كان الرجل يقول «أقول كلمة الحق ولو على رقبتي» ، فما الذي حدث اليوم ؟ 

هل تغيّر الإنسان أم تغير الزمان ؟! وفي أي الدروب تاهت كلمة الحق ، وهل مازالت تستحق ثمنها؟!

 

 

ـ على الرغم مما نخسره بسبب قول الحق ، والدفاع عنه فإننا نكسب شيئا واحدا ومهما وهو صداقة أشخاص يستحقون الصداقة فعلا ، لأن المتزلفين الذين يخشون على مصالحهم ويخافون من قول كلمة الحق تجنبونا ، وابتعدوا عنا ، بل إن بعضهم أصبح لا يلقي علينا السلام إذا مرّ بنا. 

 

فقد يحدث أنني تكتشف خطأ وقع فيه بعض المسؤولين في محيط عملك وتتحدث عنه ، وتدفع ثمن ذلك غاليا ، وتخسر مصالح يحصل عليها الآخرون بالتزلف وينتفعون من مكاسب كان يمكن أن تحصل عليها لو كنت مثلهم .

 ولكن الرزق من رب العالمين ، وكلمة الحق على الرغم من أنها تحرمك من أشياء كثيرة فإنها تشعرك بطبيعتك الفطرية وبأنك أقوى من هؤلاء المتزلفين ، وأغنى منهم ، فأنت لا تخشى غير الله، وهذا بحد ذاته مكسب كبير لك .

 

 إن قضية وجوب قول كلمة الحق أخلاقية فعلا، فكلمة الحق يجب أن تقال مهما كانت الظروف والمغريات، ولكن المشكلة أن البعض يخشى على نفسه من رئيسه في العمل مثلا، ويخاف ان يفقد الامتيازات المادية والمعنوية فيخالف ضميره ولا يفعل أو يقول ما يتوجب عليه. بل إن البعض قد يصل به الأمر الى أن يكتب شهادة يكون مساءلا عنها أمام الله في سبيل أن يحصل على مكسب معين أو يكسب رضى شخص ذي أهمية خاصة بالنسبة إليه.

 

 

نشعر ايضا بالسعادة عندما نرى أشخاصا لا يكنون الود لنا ، ولكنهم يقولون الحق في صالحنا ، عندما تكون كلمة الحق واجبة لأن الحق أحق بأن يتبع بغض النظر عن أهوائنا الشخصية ومشاعرنا تجاه الآخرين. وأعتقد أن الرجل إذا كان عاقلا فعيب عليه أن يرى الباطل ويسكت، أو يرى الحق ولا ينصره ، فهذا كمال للعقل قبل ان يكون كمالا للرجولة،

 فكلمة الحق تحتاج إلى قوة ، ومن يخف لن يقول كلمة الحق ، ومن لا يقولها لا يخاف الله.

 

لا نستطيع القول إن اطلاق كلمة الحق أمر سهل أو شائع، لذلك نجد أن قلة من الناس هم من يجرؤون عليها، ولا يخافون لومة لائم. أما الآخرون فهم يخافون إن قالوها أن يخسروا مصلحة شخصية أو رضى أشخاص يهمهم ان يكونوا على علاقة جيدة معهم للوصول الى هدف معين . 

 

  أن المرؤوسين هم أكثر خوفا من قول كلمة الحق حتى لا يغضب رؤساؤهم في العمل إذا كان الموضوع يمسهم شخصيا أو ينقد موقفا لهم .

  أن قول الحق يريح النفس على الرغم من أنه يثير استياء الكثيرين ، 

 عندما لا تقول كلمة الحق في وقته، يطير النوم من عينك في تلك الليلة ، وتشعر بكابوس يجثم على صدرك لن ترتاح منه إلا بعد أن تصلح الموقف . 

وعموما هل نحن اليوم نفتقد كلمة الحق بين الناس كما نفتقد الكثير من أخلاقنا وشيمنا الاصيلة التي تعلي من شأن قيم وصفات …. كالشهامة والمروءة والشجاعة ؟

 

لا يستطيع المرء ان يقول كلمة الحق في أي موقف ولأي شخص، وإلا ساءت علاقته بالكثيرين. وقد تكون كلمة الحق مكلفة أحيانا إذا كانت تتعلق بموضوعات مهمة وحساسة كالأمور المالية أو الارتباطات الاجتماعية أو سمعة الأشخاص، وقد يجد صاحبها نفسه في موقف صعب في مواجهة الآخرين.

 

أما على مستوى العمل فشهادة المرء وموقعه الوظيفي يجعلانه يشعر بأنه أقل خوفا على مستقبله المهني من الأشخاص حملة الشهادات المتوسطة مثلا ، أو غير المتعلمين الذين يبدو لهم أن فرص عملهم أقل ، وبالتالي يحاولون الحفاظ على وظائفهم واسترضاء رؤساءهم . 

 

إن سعي الفرد وراء مصلحته الشخصية ، وعدم استعداده للمواجهة في سبيل كلمة حق قد يجعلانه يخسر رضى الآخرين عليه أو يؤخرانه عن الوصول الى هدف ما أدى الى شيوع حالة من الأنانية والسلبية. 

 

ان كلمة الحق مزعجة لأغلب الناس ، وصاحبها في نظر البعض انسان فظ يتدخل فيما لا يعنيه.

 لذلك لابد للإنسان أن يكون مجاملا إذا أراد أن يكون مقبولا من الآخرين، حتى لو كانت هذه المجاملة تصل الى حد الكذب.

 استطيع أن اقول ان كلمة الحق لم يعد لها مكان في مجتمعنا، وإن كنت أتمنى ان يتنبه الناس الى خطورة تغييب كلمة الحق وأن يعوا أن هذه الكلمة تستحق ثمنها فعلا.

 

الخلاصة 

 

 ان الصراحة اصبحت منفرة للناس ، وطاردة للأصدقاء ،

في الماضي كانت العلاقات أكثر شفافية وبساطة، وكانت الصراحة بين الاصدقاء من شروط الصداقة.

 أما اليوم فلكي تكون علاقتك جيدة بالآخرين فعليك ان تتجنب معارضتهم فيما يقولون أو يفعلون .

 

 وكذلك الأمر بالنسبة الى العمل، فالموظف المحبوب هو الذي يتجنب الاشارة الى الخطأ إن رآه ويبتعد عن معارضة زملائه أو رؤسائه في العمل حتى لا يحرجهم أو يستفزهم.

 

 والامر الغريب في كل موقف نحتاج من الآخرين ان يقفوا بجانبنا ، وينصروننا بكلمة حق ، كان الجميع يتنصل منها ، 

 

أما في مجال عملك فإن تجرأت واعترضت على أمر ما تراه غير صحيح ، ومجحفا ، فإنك بالطبع ترى أصدقائك ينقلبون إلى اعداء ،

 

 ان التحدث عن كلمة الحق وما شابهها من التزامات أخلاقية اصبح في نظر البعض نوعا من المثالية التي لم تعد موجودة على أرض الواقع .

 

ان إرهاب الأسرة للفرد يرسخ لدينا القيم السلبية ، وسبب عدم تمسك الكثيرين بكلمة الحق كالتزام أخلاقي ، المشكلة أن البعض أصبح يسير مع التيار ، فالمخالفات والتجاوزات أصبحت هي القاعدة في كثير من المواقع لا الاستثناء وصار من المعتاد ألا يقول الإنسان كلمة الحق.

 

 إن نظرة الأفراد الى بعض الأمور اصبحت مادية من دون إدراك الجوهر المعنوي لهذه الأمور والمستمد من أخلاق شريعتنا. لذلك انغمس الكثيرون في ذلك المجتمع المادي وأصبح من الممكن أن يتنازل الشخص عن الكثير من الأمور ومنها المبادئ التي يفترض عليه أن يتمسك بها .

 

 إن التنشئة الاجتماعية للفرد تلعب دورا كبيرا في ترسيخ قيمة الحق لديه. أما ممارسة الإرهاب الفكري على الفرد في نطاق أسرته ورفض حرية التعبير عن الرأي وتغييب السلوك الديموقراطي في تعامل أفراد الأسرة بعضهم مع بعض يؤدي الى غرس قيم وأفكار غير صحيحة لدى الفرد، ويجعله يميل نحو الكذب في بعض المواقف التي تتطلب منه قول الحقيقة ، خوفا من المساءلة أو العقاب.

 وهذه المسألة مرتبطة ارتباطا مباشرا بجرأة الفرد على قول كلمة الحق في حياته العملية والاجتماعية لاحقا، وهذه المسؤولية تتحملها ايضا المدرسة والجماعة والنادي وجميع الأطراف التي تساهم في تنشئة الفرد وتعزيز القيم الأخلاقية لديه.

 أن الموقع الوظيفي أو الاجتماعي المميز قد يمنح صاحبه جرأة أكبر في قول الحق ومجابهة الخطأ، ربما لا يمتلكها صغار الموظفين أو الأشخاص العاديين، 

 

   ولنا راي …..

 

 انه لا يوجد ما يسمى بالموظف الكبير أو الموظف الصغير، فالكل في الهرم الوظيفي صغار ، لأن كل موظف مهما كان كبيرا هناك موظف أكبر منه ، فالمشكلة تكمن في جرأة الشخص والتزامه الأخلاقي في مواجهة أي حالة سلبية في عمله أو حياته.

 

    غدا صباح مصري جديد بمشيئة آلله تعالى وحفظه ،،،،

 

                                               

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى