آراء حرةعربي ودوليمانشيتات

العلاقات المصرية الروسية ؛ أخطر تقرير استخباراتي استراتيجي وتاريخي…

عمرو عبدالرحمن – يكتب من : مصر القاهرة

عمرو عبدالرحمن
عمرو عبدالرحمن
* تأثيرات الاحتلال العثماني لمصر والسوفييتي لروسيا علي العلاقات المشتركة …
.
* حرب القرم، فرضت مواجهة عسكرية بين الجيشين المصري والروسي انتهت بانتصارات مصرية تاريخية
.
*  عملية البقرة الحلوب أرادت بها موسكو السوفييتية القضاء علي أعظم مشروع نهضة حضارية لمصر منذ مئات السنين
.
*  العلاقات المصرية الروسية حاليا ؛ في أقوي حالاتها وفقا للمصالح المشتركة ومبدأ توازن القوي الذي تفرضه الاستراتيجية السيادية المصرية …
.
***
العلاقات المصرية الروسية ؛ مرت بمراحل عدة ، تأثرت إيجابا كلما كان التواصل مباشرا بين الشعبين المصري والروسي ، لكنها تأثرت سلبا بخضوع كل من مصر وروسيا للاحتلال الاجنبي أو الاحتلال الداخلي.
.
فقد تأثرت سلبا بخضوع مصر للاحتلال التركي المتأسلم (العثماني).
.
كذلك تأثرت بدرجات متفاوتة سلبا وإيجابا، أثناء الاحتلال الداخلي لروسيا أثناء حكم الاتحاد السوفييتي.
.
البداية بتدشين العلاقات التاريخية بين المملكة المصرية والإمبراطورية الروسية ومصر إلى أكثر 250 سنة، عندما اصدرت الإمبراطورة إيكاترينا الثانية عام 1784 مرسوما يقضي بتعين كندراتي فون تونوس كأول قنصل روسي في الإسكندرية.
.
إلا أن هذه العلاقات دخلت في النفق المظلم أثناء حرب القرم، 1853 كانت وقتها مصر تحت الاحتلال العثماني، فدخلت مصر الحرب إجباريا ضد روسيا وقد حققت الجيوش المصرية وقتها انتصارات باهرة علي الروس على نهر الدانوب.
.
إلا أن دولة الاستعمار العثماني، كانت في حلف، مع مملكة فرنسا الاستعمارية.
.
بدأ التحالف الاستراتيجية الفرنسي – التركي، عام 1536 بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني، وهو تحالف يكشف زيف الشعارات العثمانية بزعم أنها دولة خلافة إسلامية.
.
فقد كان هذا التحالف المشين واحدًا من أهم التحالفات الخارجية الفرنسية، واستمرت لأكثر من قرنين ونصف.
.
خدم مصالح الطرفين، خاص خلال الصراعات العسكرية الفرنسية مع الإمارات الإيطالية، بدعم عثماني للفرنسيين علي أساس تقاسم الغنائم الاستعمارية بين الحليفين!
.
الغريب أن هذا الحلف الأثيم استمر حتى الحملة الفرنسية على مصر، عام 1798، ولم تتدخل الدولة العثمانية لحماية أهم مستعمراتها وتركت وحدات ضعيفة من الجيش المصري تقاوم ببسالة ضد الاستعمار الفرنسي، رغم الفارق الضخم في التسليح، نتيجة تعمد الأستانة إضعاف مصر وإخضاعها وحرمانها من امتلاك أية قوة عسكرية أو اقتصادية، وقد صارت مصر طوال الاحتلال العثماني مستعمرة متخلفة يعيش شعبها مستعبدا من الترك العثمانيين، مغيبا في مستنقع الدروشة البكتاشية والنقشبندية – طريقة الإنكشارية – نخبة الجيش العثماني الغاشم – لإخماد نيران المقاومة المصرية..
.
دخلت العلاقات المصرية الروسية منعطفا جديدا في عصر الاحتلال البلشفي لروسيا بعد اغتيال الأسرة الروسية الحاكمة (آل رومانوف)، عقب الثورة البلشفية التي أشعلها خزر أوروبا الوسطي المتهودين ـ أمثال لينين، ماركس، تروتسكي (الثابت أن غالبية زعماء الثورة البلشفية كانوا من الخزر المتهودين – وليسوا من الروس!).
.
عقب قيام ثورة الجلاء المصرية ضد الاحتلال البريطاني، بدأ عصر من التقارب واسع النطاق بين مصر والقوي العظمي الثانية عالميا.
.
وتبنت مصر المذهب السياسي الاشتراكي أساسا لنظام الحكم، ما عمق هذا التقارب علي كافة المستويات، سياسيا وثقافيا وعسكريا.
.
أصبح السلاح السوفييتي من أهم أعمدة التسليح المصري، وهو جسدته صفقة الأسلحة السوفييتية التي قدمتها تشيكوسلوفاكيا لمصر عام 1955.
.
سنة 60 شهدت العلاقات المشتركة، تحولا سريا خطيرا، حيث عقد الزعيم ” نيكيتا خروتشوف ” السكرتير العام لأول للحزب الشيوعي السوفييتي، اجتماعا مع أليكساندر شيليبين مدير جهاز KGB (المخابرات السوفييتية) طبقأً لوثائق أرشيف العمليات السوفيتية المعروف باسم “أرشيف ميتروخين – فائق السرية، لمناقشة تقرير رصد ما أطلقوا عليه “تنامي الدور الناصري” بما يتعارض مع المصالح السوفيتية في العالم وليس في مصر والشرق الأوسط فقط.
.
بعد أن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر سياسة واحدة واضحة للأعداء وللأصدقاء أنه ضد نفوذ ومصالح الامبراطوريات العظمى والدول الاستعمارية والأجنبية في مقدرات وثروات الدول النامية الساعية للحرية والاستقلال.
.
يكشف الأرشيف الروسي أن قيم ومبادئ الزعيم المصري – العربي ؛ جمال عبدالناصر وصلت إلى معظم شعوب دول العالم وأصبحت وقوداً لمعظم حركات التحرر بأمريكا الجنوبية التي سميت “اللاتينية” ، وهو ما جسدته الزيارة التاريخية للزعيم الثوري إرنستو تشي جيفارا، للقاهرة ولقائه بالزعيم ناصر، في وقت أعلن فيه جيفارا رفضه للقيود التي تحاول موسكو تكبيله بها، في معركته البطولية ضد الاستعمار الأمريكي!
.
بل أنها انتشرت بمعظم الدول الأفريقية وشبه القارات الهندية والصينية وبلغت مشارف الحدود السوفيتية ونفذت إلى العاصمة موسكو نفسها.
.
كما كشف التقرير عن مدى التقدم الإنتاجي والصناعي المصري بمجالات شتى أقلقت موسكو ودلت على اقتراب وصول مصر إلى وضع الاكتفاء الذاتي.
.
فقررت موسكو في شهر يناير عام 1960 أن أكثر التقديرات خطورة على مستقبل الصناعات السوفيتية العسكرية في العالم هو التقدم المصري في الصناعات العسكرية، بالأخص مشروعا منظومة تطوير الأسلحة السرية التي قاد عمليات إنتاجها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه.
.
هكذا وضع الاتحاد السوفيتي الرئيس جمال عبدالناصر على رأس قائمة التهديدات التي كان من المقرر أنها ستواجه الصناعات العسكرية السوفيتية مستقبلاً على أقل تقدير في منطقة الشرق الأوسط.
.
من هنا كانت الحاجة الروسية الماسة لخطة استراتيجية تُحكمه تُستدرج فيها مصر والرئيس جمال عبدالناصر إلى معركة أكبر من قدراتهم الحقيقية يمكن استغلالها من قبل موسكو للقضاء على زعامته ومشروعاته السرية والعلنية العملاقة، حتى تضطر مصر عقب هزيمتها طبقاً للخطة للبقاء تحت رحمة الحاجة الماسة إلى عون المساعدات السوفيتية المختلفة وتظل روسيا تستفيد إلى ما لا نهاية وللأبد من تواجدها في قلب القاهرة التي ستموت من دون موسكو.
.
هكذا؛ قررت موسكو مصر علي تحديها لمحاولات فرض الهيمنة السوفييتية بعملية استخباراتية سرية تسمي (البقرة الحلوب) وقامت المخابرات السوفييتية (KGB) بتسريب أنباء كاذبة للزعيم جمال عبدالناصر بدعوي أن إسرائيل تستعد لشن عدوان علي مصر في 16 فبراير 1960.
.
إلا أن ناصر تواصل مع أطراف عدة، منها ؛ ” داغ هيمرشولد ” – آخر أمين عام مستقل للأمم المتحدة، وقد تعرض للاغتيال لاحقا بأصابع المخابرات الأمريكية.
.
قام هيمرشولد بالتأكد من حقيقة الادعاء وقدم لناصر صورا بالأقمار الصناعية تثبت أن إسرائيل لم تحرك قطعة سلاح ولا جنديا ضد مصر، وبالتالي كذب الادعاء السوفييتي.. فتراجعت مصر عن إعلان حرب غير مبررة وفي غير وقتها تماما مع الكيان الصهيوني.
.
.. ومرت سنوات قبل أن يتحقق العقاب السوفييتي لمصر، في 5 يونيو 1967، بتدخلها لتأخير التحرك الجوي العسكري المصري، و”نصيحة” موسكو لناصر بتلقي الضربة الأولي من اسرائيل، ليبدوا للعالم أنها هي المعتدية – حسب تبريرات موسكو – وهي النصيحة التي أدت لسحق القوات الجوية المصرية بالكامل واحتلال سيناء كلها والقدس العربية وأراضي غزة التي كانت تحت الإدارة المصرية – ولازالت خاضعة لسلطة فلسطينية إرهابية بعد أن سلمتها لها إسرائيل!
.
في عهد الرئيس السادات تحولت العلاقات بين مصر والسوفييت إلي شبه قطيعة كاملة، وبدلا من اتخاذ موقف متوازن ، انجرفت العلاقات المصرية إلي الطرف الآخر (الغرب وأمريكا).
.
في عصر مبارك، شهدت العلاقات المصرية الروسية بعض الدفء والتقارب سواء قبل أو بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
.
في عصر القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي، استعادت العلاقات المصرية الروسية رونقها وبريقها لأعلي مستوياتها منذ تدشينها قبل 250 عاما ؛ وصارت نموذجا للعلاقات بين دولة نامية مستقلة ذات سيادة وبين قوة عظمي ، في ظل حرص القيادة السياسية والسيادية المصرية علي إضافة بعد التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب، دون انجراف أو تبعية لأي من القطبين الكبيرين.
.
ولتكون المصالح القومية العليا لمصر القاهرة هي المعيار لتحديد العلاقات المشتركة والتعاون في كافة المستويات، دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا.
.
في ظل إنهاء عصر الخضوع المصري لأمريكا وإنهاء هيمنة المعونة الأميركية المستمرة منذ عهد مبارك البائد.
.
مقابل إعلاء مبدأ تنويع مصادر السلاح الخارجي ما بين الغرب والشرق، والأهم؛ تطبيق شعار صنع في مصر، علي صناعات السلاح الوطنية المصرية التي شهدت تطورا عظيما وغير مسبوق منذ مئات السنين.
^مرجع :
كتاب الاسد الحزين
الكاتب – توحيد مجدي
الناشر – دار كنوز للنشر والتوزيع
المجموعة 73 مؤرخين Group 73 Historians .com
^ مصادر:
Page 39 of the scan of this book [1] (in PDF) reporting a summary of the Sardinian expedition in Crimea
Военная Энциклопедия, М., Воениздат 1999, т.4, стр.315
Kann, p.62
William Miller The Ottoman Empire and Its Successors, 1801-1927 Routledge, 1966 ISBN 0-7146-1974-4, p.2
Merriman, p.133
Roger Bigelow Merriman Suleiman the Magnificent 1520-1566 READ BOOKS, 2007, p.132

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى