إبداعات أدبيةمانشيتات

القانون الدولي الإنساني بين الحقيقة والوهم

القاضي/ شعبان إبراهيم غالب

نائب رئيس محكمة الاستئناف بمصر  

الأستاذة/ إيناس علي شنقير 

خبير قانوني بالمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي التابع لرئاسة الوزراء بليبيا

_________________________

تشكل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية الأساس القانوني للقانون الدولي الإنساني، فدونت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تلك الاتفاقيات مبادئ القانون الدولي الإنساني؛ والتي تهدف إلى حماية الإنسانية في أوقات النزاعات المسلحة سواء كانت نزاعات دولية أو غير دولية؛ ومن أهم تلك المبادئ حماية المدنيين وعدم استهدافهم أو استهداف أعيانهم وممتلكاتهم، وذلك على أساس التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وبين الأعيان العسكرية والمدنية مع ضرورة توفير التناسب في استخدام القوة. 

كما أن تلك الاتفاقيات أوجبت على المنظمات الدولية واللجان المعنية؛ التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني ومحاسبة المسؤولين عنها، وكذلك مراقبة احترام تطبيقها وفقا للمادة الأولى المشتركة.

وعلى رأس هذه المنظمات تأتي الأمم المتحدة؛ إذ يكون لمجلس الأمن سلطة إحالة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية، حتى إذا كانت الدول المعنية ليست أطرافًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يمكن لمجلس الأمن فرض عقوبات على الأفراد والدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، مثل تجميد الأصول ومنع السفر وحظر جوى وحظر توريد الأسلحة مع كذلك وجود مبدأ التدخل الإنساني لحماية المدنيين.

ولمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجان تحقيق خاصة وبعثات تقصي الحقائق للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في مناطق النزاع، وتقوم لجان التحقيق بإعداد تقارير شاملة وتقديمها إلى مجلس حقوق الإنسان، الذي يمكنه بدوره اتخاذ إجراءات بناءً على هذه التقارير، كما يقوم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بإرسال فرق ميدانية لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في مناطق النزاع، ويتم جمع الأدلة والشهادات لتقديم تقارير شاملة عن تلك الانتهاكات، والتي يمكن استخدامها في المحاكمات الدولية والمحلية.

كما تملك الجمعية العامة للأمم المتحدة اصدار قرارات تدين انتهاكات القانون الدولي الإنساني وتدعو إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية، ويمكنها الدعوة إلى إجراء تحقيقات دولية في الانتهاكات الجسيمة، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة للقيام بذلك.

كما تلتزم الأمم المتحدة بتوفير الدعم السياسي والمالي للمحكمة الجنائية الدولية لتحقيق وتنفيذ ولايتها، وتتعاون معها في تقديم الأدلة والمعلومات التي تم جمعها خلال بعثات حفظ السلام والبعثات الإنسانية.

كما تعمل بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مناطق النزاع على حماية المدنيين وتوثيق انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وتوفر الدعم اللوجستي والميداني للجان التحقيق الدولية والوطنية.

وبالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، فإنها تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على مبادئ القانون الدولي الإنساني من خلال عدد من الآليات والوظائف ومنها: محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم جسيمة مثل الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان؛ وهذه الجرائم غالبًا ما تنطوي على انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني.

وتوفر المحكمة منصة للضحايا لعرض معاناتهم وتقديم شهاداتهم، مما يساهم في تحقيق العدالة وتعويض الضحايا، وتساهم المحكمة الجنائية الدولية في تطوير وتفسير مبادئ القانون الدولي الإنساني؛ من خلال الأحكام التي تصدرها، وفي المجمل، تُعد المحكمة الجنائية الدولية أداة أساسية في النظام الدولي لتحقيق العدالة وتعزيز مبادئ القانون الدولي الإنساني؛ عبر ملاحقة الجناة وضمان عدم الإفلات من العقاب، وتقديم الإنصاف للضحايا.

ومن المفترض أن تضطلع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بدور محوري في التحقيق ومحاسبة منتهكي القانون الدولي الإنساني؛ من خلال آلياتها السابقة؛ لضمان العدالة والمساءلة وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تقوم الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية بدورها هذا في حماية قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني؟

في الحقيقة أن التدخلات السياسية تؤدي إلى تقويض فعالية المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في تطبيق القانون الدولي الإنساني؛ تُستخدم هذه المنظمات أحياناً كأدوات لتحقيق أهداف سياسية بدلاً من إنفاذ القانون بشكل محايد؛ وما يدلل على ذلك حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي؛ رغم انتهاكات دولة الاحتلال لمبادئ القانون الدولي الإنساني في حربها ضد غزة؛ بقتلها ألاف المدنيين، وتهجيرها لمئات الألاف منهم، وهدمها لمساكنهم؛ لم يقم مجلس الأمن بدوره الأساسي في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وفشل في اصدار قرار منه بإحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بإرسال قوات لحفظ السلام لحماية الشعب الفلسطيني من بطش دولة الاحتلال؛ مثلما حدث في هاييتي في أكتوبر الماضي، أو إنشاء محكمة خاصة للتحقيق ومحاكمة المتسببين في إبادة الشعب الفلسطيني؛ مثلما حدث في لبنان بشأن واقعة مقتل الحريري.

ولم يصدر مجلس الأمن بشأن تلك الأحداث سوى القرار رقم 2728 الصادر في السابع والعشرون من مارس الماضي؛ بوقف إطلاق النار، وحتى هذا القرار رغم صدوره لم ينفذ، ولم يستخدم مجلس الأمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتنفيذ هذا القرار، حتى أن الدول مختلفة: في مدى إلزامية هذا القرار من عدمه، فكلما تم التقدم إلى مجلس الأمن بمشروع قرار لوقف هذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني من قبل دولة الاحتلال؛ تعترض عليه الولايات المتحدة الأمريكية مستخدمة حق الفيتو في منع صدور هذا القرار.

كما أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية –كريم خان- من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية اصدار قرار بتوقيف كلا من رئيس وزراء ووزير دفاع دولة الاحتلال؛ قوبل باستهجان من بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ مما يعني أنه في الغالب لن يصدر هذا القرار، وإن صدر لا ينفذ.

   

وفي الختام القانون الدولي الإنساني يتمتع بقواعد راسخة وقوية تهدف إلى حماية الإنسانية في أوقات النزاع، إلا أن ازدواجية المعايير وعدم الالتزام الكامل من قبل الدول والمنظمات الدولية تؤدي إلى تقويض فعاليته، بل إن صح التعبير؛ فإننا نقول إنه لا يوجد قانون دولي إنساني؛ لأنه وإن كانت توجد النصوص والمبادئ له؛ إلا أن هذه المبادئ والنصوص لا تكون سوى حبر على ورق؛ طالما أنه لا يتم تنفيذها، أو تنفذ على حسب الهوى، فحتى ان بدليل التطبيق ان جل احكام محكمة الجنايات الدولية لا تستطيع المحكمة تطبيقها إلا عندما يوافق مجلس الأمن بالتصويت حسب ما تراه الدول الخمس العظمى.

 والحل من وجهة نظرنا أنه من الضروري إعادة هيكلة المنظمات الدولية وتعديل مواثيقها؛ لتصبح جميع الدول أعضاء تلك المنظمات متساوون في التصويت على القرارات التي تصدر من تلك المنظمات، وإلغاء حق الفيتو المقرر في مجلس الأمن، وذلك حتى يمكن أن يتم تنفيذ مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني على الجميع بدون تمييز؛ وحتى لا يكون حبرا على ورق؛ وعندئذ نستطيع أن نقول لدينا قانون دولي إنساني نستطيع من خلاله مساءلة الجناة بدون تمييز، لضمان حماية حقوق الإنسان في جميع النزاعات بشكل عادل وفعال.

تم التحرير بتاريخ: 04/06/2024م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى